أفلامخيال علميفلكفيزياء

SW115 فيزياء الفيلم انترستلر 1: موت الأرض والثقوب الدودية

علم الفيلم انترستلر

لطالما طلب مني المتابعون أن أتحدث عن فيزياء الفيلم انترستلر ، لقد قدمت محاضرة مرئية على الموضوع 3 مرات، ولا يزال الناس يطلبون مني أن أقدمها مرة أخرى، والآن وإن تأخرت في صنع بودكاست في الموضوع إلا أن مواضيع الفيزياء في الفيلم هي مهمة إلى الأبد، والفيلم من الناحية الفنية سيكون خالدا.

هذه الحلقة ستعتمد بالكامل على كتاب كيب ثورن، وهو العالم الفيزيائي المختص في الجاذبية، وهو مؤلف قصة الفيلم، وكذلك فقد ألف كتاب علم إنترستلر. لاحظ معي أن عنوان الحلقة هو فيزياء الفيلم إنترستلر، وهو العنوان الذي اخترته للمحاضرات التي قدمتها، ولكن الكتاب اسمه علم انترستلر، والصحيح أن الحلقة من المفروض أن تسمى بعلم الفيلم انترستلر، لأنني سأتعرض لموضوع غير فيزيائي في البداية وهو عن موت الأرض، أو لنقل موت الكائنات الحية على الأرض، أو موت نباتات الأرض ونقص في الأكسجين، ثم أنطلق للفيزياء، والذي سيشغل الحيز الأكبر من الحلقة، والحلقة القادمة.

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

وضعت تغريدة على التويتر (@mqasem) عن أنني سأنزل حلقة فيزياء انترستلر، وصدف أن شخص سيحضر في تلك الساعة التي نزلت فيها التغريدة محاضرة علم انترستلر في المملكة العربية السعودية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ، والذي سيحاضر فيها هو الفيزيائي كيب ثورن بنفسه، كنت أتمنى لو أنني كانت هناك. وكنت أتمنى حضور كل من يهتم للمواضيع الفلكية والفيزيائية حضورها.

قبل أن أبدأ بالحديث عن الفيزياء لابد أن أعطي مقدمة عن الفيلم، وبعد ذلك أنطلق للفيزياء، لذلك سيكون في الحلقة هذه Spoilers، أو مُحَرِّقات مخربات أو مفسدات. أي إن لم تر الفيلم من قبل ربما تود أن تراه، وإلا سأحرق عليك القصة، أعطيكم فرصة في لإيقاف البودكاست الآن.

القصة المختصرة لفيلم انترستلر

تبدأ أحداث الفيلم في المستقبل، ولكن لم يصبح المستقبل كما ننظر له الآن على أنه جميل ويوتوبي Utopian (المدينة الفاضلة التي تكون بالقرب من الكمال)، بل إن الكائنات الحية على الكرة الأرضية تموت، حيث أن مرضا ما يصيب النباتات فتبدأ بالموت، وبما أن الكثير من النباتات بدأت بالموت، ذلك يعني أن الحيوانات النباتية بدأت هي أيضا بالموت، وتأتي بعدها الحيوانات اللاحمة تموت، وفذلك يعني أنه لن يتبقى للبشر شيء للتغذي عليه، وبالتالي يموت البشر جوعا. وصلت المرحلة بالبشر أنه لم يتبقى إلا الذرة، وحتى الذرة بدأت بالموت. وكذلك فإن نسبة الأكسجين تنخفض في الأرض، فشكل ذلك كارثة على حياة الإنسان، وستجد ذلك متمثلا في الطفل الذي أصابه السعال، الذي قد يؤدي إلى مماته.

dust storm

ميرف الممثلة الصغيرة تكتشف أشياء غريبة تحدث في غرفتها، وكأنما فيها أشبحا، حيث كانت الكتب تتساقط، وكانت تخبر أبيها كوبر بذلك، وفي يوم مغبر نسيت شباك غرفتها مفتوحا، دخلت هي وأبيها في الغرفة، وإذا بها ممتلئة بالغبار، ولكنهما اكتشفا شيئا مثيرا، وهو أن الغبار كان على شكل حزم أو أنماط معينة، وكأن فيها رسالة بمعلومات مهمة، ومن هذه المعلومات اكتشفا إحداثيات لمكان ما.

توجه كوبر هو وابنته التي ركبت السيارة من غير علمه إلى احداثيات المكان، وإذا بهما يكتشفان أن الإحداثيات كانت لمكان مخبأ لوكالة ناسا، حيث كانت تتجهز لرحلة للفضاء للبحث عن كوكب يمكن العيش عليه، فقد اكتشفت ثقبا دوديا يوصلها بمكان آخر في الفضاء، قد يكون في نفس المجرة، أو ربما في مجرة أخرى.

ينطلق كوبر هو مجموعة من العلماء على متن مركبة فضائية متوجهة إلى الفضاء، وبجانب كوكب زحل حيث توجد كرة، وهذه الكرة التي تنعكس فيها صور النجوم من مجرة أخرى، يدخل إليها رواد الفضاء، وبسرعة يعبرون عبر سنوات ضوئية في لحظات، وحينما وصلوا إلى الطرف الآخر من الثقب الدودي اكتشفوا ثقبا أسودا بارع الجمال لقب هذا الثقب باسم غارغانتشوا (Gargantua)، وحوله مجموعة من الكواكب. وقد بعثت ناسا بمجموعة من رواد الفضاء لاكتشاف هذه الكواكب من قبل (قبل هذه الرحلة كانت هناك رحلات أخرى)، لتحري إمكانية العيش عليها، والبعثة التي سيكون فيها كوبر كانت لاكتشاف أي من الكواكب التي وصل إليها العلماء الآخرون هي المؤهلة لعيش الإنسان.

wormhole
الثقب الدودي الثلاثي الأبعاد في فيلم انترستلر

تتوقف المركبة بعيدا عن الثقب الأسود، ويغادر العلماء كلهم على متن مركبة صغيرة إلا عالم واحد يبقى في المركبة الأم، وتبقى هذه المركبة الأم بعيدا عن الثقب، فينزل رواد الفضاء على كوكب الأول كوكب ميلر، وهو قريب من الثقب الأسود جدا، وبسبب قربه وبسبب تقوس الزمكان، تحت تأثير الثقب الأسود ستعادل الساعة الواحدة عليه 7 سنوات على المركبة الأم.

حينما يصل الطاقم إلى الكوكب يكتشفون أنه غير قابل للحياة، حيث أنه مائي، تتعطل المركبة، فيضطرون للبقاء على الكوكب لحين إصلاح الخلل لثلاث ساعة ودقائق، في تلك الأثناء أتت موجة هائلة إلى حيث ما كانت مركبته، فانطلقوا بسرعة قبل أن تحطمهم الموجة، وحينما غادروا كوكب ميلر، ورجعوا إلى المركبة الأم اكتشفوا أن العالم الذي بقي على متنها قد مر عليه 23 سنة، ولم يمر عليهم سوى تلك الثلاث الساعات وبعض الدقائق. وهكذا كان بالنسبة لسكان الأرض، فقد مر عليهم 23 سنة. اكتشف كوبر أن ابنته كبرت أيضا، وقد شارفت أن تصبح بنفس عمره، لقد فقدت ميرف الأمل في رؤية أبيها واعتقدت أنه لن يعود، وخصوصا بعد انتظارها له لمدة 23.

ميرف، ابنة كوبر عملت على مدى السنوات مع الدكتور برادن الأب (وهو أب البنت الدكتورة براندن التي ذهبت مع البعثة)، وأصبحت عالمة، في تلك الفترة. وكانت تبحث عن طريقة تفهم فيها كيف يمكن حل مشكلة الجاذبية، أو بالأحرى كانت تبحث عن طريقة هي والدكتور برادن لعمل مضاد للجاذبية، ولكن كانت لديهم مشكلة في توفر المعلومات الصحيحة، وبراندن كان يزعم أنه على وشك الوصول للحل، لكنه كان يكذب طوال المدة، وأنه في الحقيقة حينما أرسل رواد الفضاء خلال الثقب الدودي فقد بعثهم برحلة بلا أمل في عودتهم، حيث أنه كان يتوقع أن يكتشفوا كوكبا عبر الثقب يمكنهم العيش عليه، ومن هناك بإمكانهم الإنجاب، والعيش فيه، وهكذا ستحيى البشرية من جديد هناك.

بعد أن كان الكوكب ميلر غير مؤهل للحياة، قرر العلماء الذهاب إلى الكوكب الثاني كوكب مان، وقد أرسلت منه إشارات من العالم الذي ذهب إليها، وهذه الإشارات كانت مبشرة، وحين نزولهم عليه اكتشفوا أن الكوكب بارد جليدي، ولم يكن بإمكان البشر العيش عليه، بل إن العالِم الذي أتى إليه مسبقا خدعهم بإرسال إشارات كاذبة، وأنه أراد أن يجرهم إلى الكوكب، حتى يستطيع النجاة منه بعد أن دمرت مركبته، وبعد محاولة العالم الذي اسمه “مان” (الكوكب سمي باسمه) بالهروب من الكوكب دمر أجزاء من مركبتهم الرئيسية.

بعد أن عاد كوبر والدكتور براندن إلى المركبة تبقى لهم كوكب، الكوكب الذي لم يذهب إليه الفريق بعد، انطلقت المركبة إليه، ولكن لكي تتخلص من جاذبية الثقب الأسود عليها أن تطلق كل محركاتها، وكذلك فإن كوبر قرر بنفسه ومن غير إخبار الدكتورة براندن أنه سيتخلص من مركبة أيضا وهو بداخلها، على أمل أن يساهم في قذف مركبته بعيدا بدفع مركبة براندن إلى الفضاء بقوة أكبر، وبعيدا عن الثقب الأسود.

ابتعدت مركبة براندن، وهوى كوبر إلى داخل الثقب الأسود، فتحطمت مركبته، ولكنه بقي هو سالما، حتى وصل إلى مكان غريب، وجد نفسه في بداخل غرفة كبيرة جدا، ووجد فيها نسخ متعددة لغرفة ابنته، كانت كل نسخة تعبر عن زمن مختلف، حاول أن يكلم ابنته، ولكن صوته لم يصل إليها، حاول أن يحذر نفسه في الماضي، ولكنه لم يستطع، كل ما قدر عليه هو أن يغير من تأثير الجاذبية، وحرك حزما منها وإذا بالغبار يتراكم بنمط معين، وكانت هي الرسالة التي تلقاها كوبر في البداية للاستدلال على موقع ناسا (الذي دلل كوبر الماضي لموقع ناسا هو كوبر المستقبل).

أثناء تلك الفترة علم كوبر من خلال الروبوت “تارس” سر الجاذبية بداخل الثقب الأسود، فأرسل المعلومات هذه إلى ابنته بعد أن كبرت وأصبحت عالمة (ذهب إلى مستقبل ابنته عبر الغرفة الكبيرة الملقبة باسم تسيراكت)، أرسل المعلومات من خلال التحكم بالجاذبية، فحرك عقارب الساعة باستخدام الجاذبية، وأرسل لها معلومات الثقب الأسود. الآن أصبح لدى ميرف معلومات تكفيها لإكمال المعادلات، بحيث يمكن التحكم في الجاذبية.

بعد أن اكتشفت كيف يمكن التحكم بالجاذبية قامت ابنته وناسا بتطوير مستعمرة بشرية هائلة قادرة على الارتفاع بمقاومة للجاذبية، وهجر سكان الأرض الكوكب للذهاب إلى مكان آخر، كبرت ميرف لتصبح عجوزا، وخرج أبوها كوبر من الثقب الأسود في الفضاء بالقرب من المستعمرة التي تسبح في الفضاء. أنقذ كوبر، وذهب لكي يرى ابنتي التي أصبحت عجوزا وهي على فراش الموت.

هذه هي تقريبا نهاية القصة.

كيب ثورن وضع ثلاثة بنود لما سيكون في الفيلم من حقائق وتخمينات، وما أشبه، الأول هو حقيقة (أي أن المبدأ العلمي لهذا الشيء هو حقيقي، وله قوانين فيزيائية، والعلماء يثقون به)، الثاني هو تخمين أو تقدير مدروس (أي أن المعلومات تعتمد على الفيزياء أو على العلوم والملاحظات الحالية، ولكنها ليست بالضرورة قاطعة)، والشيء الثالث هو تخمين (ليس هناك أي دليل على حقيقة المعلومة)، المعلومات تنتقل من حقائق إلى تخمين مدروس إلى تخمين، أو العكس.

كارثة أرضية

كما جاء في الفيلم فإن كوكب الأرض تعرض لكارثة هائلة، وهو أنه فيما عدا الذرة فإن باقي المحاصيل الزراعية على الأرض أصيبت بآفة زراعية Blight، فماتت هذه النباتات، وكذلك فإن الغبار العالي الكثافة غمر الأرض كلها، وحتى أن الكثير من الحساسين من أهل لم يستطيعوا التنفس بالشكل المناسب، فتجد عليه أعراض السعال ، وبذلك انخفض كثافة السكانية للبشر عموما. ما هو السبب في ذلك، السبب يرجع إلى ارتفاع مستوى النيتروجين إلى ٨٠٪، وتكون الـ ٢٠٪ المتبقية هذي للأكسجين، أغلب الكائنات الحية لا تحتاج للنيتروجين، ولكن الآفات الزراعية هي التي تتغذى عليه. على الأقل هذا ما زعمه الفيلم على لسان الدكتور براندن الأب. إذن، لدينا آفة زراعية، وكذلك صعوبة في التنفس بسبب ارتفاع مستويات النيتروجين وثاني أكسيد الكربون.

جمع كيب مجموعة من العلماء في نادي جامعة كال تك (Caltech Faculty Club)، أربعة منهم كانوا في مجال البيولوجيا، واختصاصاتهم كانت في علم النبات والميكروبات التي تصيب النباتات، وخلايا النباتات، وكان من بينهم العالم الحائز على جائزة النوبل ديفيد بالتمور (David Baltimore)، وهو المختص بالبيولوجيا بشكل عام، ووضع في وسطهم ميكروفون، فتناقشوا حول موضوع إصابة النباتات الأرضية كلها بأمراض بحيث تقضي عليها جميعا. قدم البيولوجيون طرق متعددة للقضاء على النباتات، ونحن نعرف أن الكثير من الكائنات الحية تعتمد على النباتات، والكائنات الأخرى تعتمد على أكل تلك الكائنات الحية، نحن أيضا نتعمد على كلاهما، فإذا ماتت النباتات سيتم القضاء على الحيوانات، وهذا ينطبق حتى الكائنات الموجودة في البحار، وفي نهاية الأمر على البشر.

فاكتشف من النقاش أن هناك مشكلة، فإما بالإمكان إصابة نوع واحد من النباتات بمرض معين بحيث يموت هذا النوع بالتحديد بنسبة ٩٩٪، وفي هذه الحالة ستبقى النباتات الأخرى، وإن كانت الآفة عامة، فإن الكثير من أنواع البناتات ستموت، ولكنها لن تموت بنسبة كبيرة. وقد وجد العلماء أن أفضل فكرة للقضاء على النباتات هي بأن يكون هناك مرضا ما يصيب مادة الكلوروبلاست، وهي موجودة في جميع النباتات، وهي مهمة للتمثيل الضوئي، فيبدأ المرض بإصابة النباتات تحت الماء ثم تنتقل الآفة إلى اليابسة، وبذلك يمكن القضاء على جميع النباتات. ولكن هذه الفكرة أيضا وإن يحمل حدوثها إلا أن احتمال حدوثها هو ضئيل جدا (للعلم، كانت هناك أفكار أخرى متعددة، ولكني لم أدرجها)

بعد ذلك جمع كيب ثورن مجموعة من المختصين في البيولوجيا والجيوفيزياء وكذلك في فيزياء وكيمياء الأرض والغلاف الجوي على عشاء آخر، حيث أراد أن يعرف إن كانت هناك طريقة تقضي الكائنات التي تعيش على الأرض بسرعة أكبر من خلال تخفيض مستويات الأكسجين في الأجواء إلى نسبة منخفضة، أو كما ذكر الدكتور براندن أن نسبة النيتروجين الأجواء أصبحت 80%، ومعها أيضا انخفضت نسب الأكسجين.

النباتات هي المصدر الرئيسي لإنتاج الأكسجين، فهي تأخذ ثاني أكسيد الكربون وتحوله إلى أكسجين، ولكن إن ماتت النباتات على الأرض، فذلك سيعرض انتاج الأكسجين للانخفاض. أضف لذلك أننا حينما نتنفس الأكسجين فهو يتحول إلى ثاني أكسيد الكربون، وكذلك حينما تتحلل النباتات بعد موتها، فإنها تتحول إلى كربون، والكربون يتفاعل مع الأكسجين تدريجيا، فيتكون ثاني أكسيد الكربون وحرارة. لكن لا يعني ذلك أن الأكسجين سينفذ بهذه التفاعلات بسرعة، حيث أن هناك كميات هائلة منه في الأجواء، وسيبقى معنا لفترة طويلة. ولكن مع وجود النيتروجين وثاني أكسيد الكربون سيصبح التنفس صعبا، وستكون الأجواء حارة، ولكن حتى هذا لن يقتل البشر، فكان على كيب أن يبحث عن طريقة لتخفيض الأكسجين إلى مستويات متدنية، مع رفع مستوى ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين.

الحل الوحيد الخيالي الذي من الممكن أن يستخدمه كيب لرفع ثاني أكسيد الكربون لكي يصبح بسمية كافية لقتل البشر هو أن يكون في قعر البحر من الكائنات الحية النافقة، وهذه تتحول إلى كربون في تحللها، ثم يأخذها الماء، ويصعد بالكربون إلى الأعلى، ثم يلتقي مع الأكسجين، فيصبح ثاني أكسيد الكربون. ولكن حتى هذه الفكرة ليست كافية، حيث أن العلماء يقدرون أن كمية الكائنات النافقة في البحر قليلة بالمقارنة مع ما هو على الأرض، ونحتاج لقدر 1000 مرة ما هو موجود لكي يتحقق هذا السيناريو الذي أوجده كيب في الفيلم.

هذا الموضوع يندرج تحت ما بين التخمينات والتخمينات المدروسة، ليست كلها خيالية، ولا يوجد أي دليل حول إمكانية تدمير المحاصيل كلها دفعة واحدة بحيث لا يبقى منها شيء، إنما هناك أمور تاريخية تدعو للاعتقاد أن شيء من هذا بإمكانه أن يحدث بصفة محدودة، ولا أحد يدري إن كان ذلك ممكنا بشكل شامل لنباتات الكرة الأرضية كلها، وينطبق ذلك على الأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون. هذه كانت الفكرة (موت الأرض)، والتي تؤسس لتركها والذهاب إلى مكان آخر.

الثقب الدودي – مقدمة للثقوب السوداء

في هذه الجانب سأتطرق إلى الثقب الأسود، والذي يرتبط بشكل مباشر بالثقب الدودي، ولكني سأؤجل الحديث عن الثقب الأسود غارغانتشوا (Gargantua) إلى الحلقة القادمة، وذلك لأن له خصوصية في الفيلم، ويحتاج لمدة مناسبة.

كما ذكرت في حلقة الثقوب السوداء في بودكاست سابق، فإنها تتكون بعدما تنهار نجمة من حجم معين تحت ضغط جاذبيتها، فتتكون نقطة صغيرة جدا في محيط كروي، وتكون حدود هذا المحيط هو أفق الحدث (Event Horizon)، وبالداخل هناك نقطة صغيرة يطلق عليها مصطلح تفرد (Singularity)، وهي ذات جاذبية عالية جدا، ما يكون من أجرام أو جسيمات أو ضوء خارج أفق الحدث بإمكانه أن يهرب من الجاذبية الكبيرة للثقب الأسود، ولكن بمجرد دخول أي شيء إلى الداخل فلن يتمكن من الهروب، ومن المعروف أن الضوء هو أسرع ما في الكون، وحتى الضوء الذي بإمكانه الهروب من أقوى النجوم جاذبية، إلا أنه إذا دخل إلى داخل أفق الحدث فإنه لا يخرج أبدا.

لو أن رائد فضاء وقع إلى ثقب أسود وكان يحمل معه جهازا لاسلكيا، فسيمكنه التواصل مع من هم خارج الثقب بعيدا عنه، وستتباطأ إشارات اللاسلكي تدريجيا كلما اقترب من الثقب الأسود، حتى إذا ما وصل إلى أفق الحدث وعبره لن تستطيع هذه الإشارات الخروج، وستهوي معه إلى التفرد، وستنقطع الاتصالات مع الرائد نهائيا (لا ننسى أن الضوء لا يخرج من أفق الحدث، واشارات اللاسلكي هي ضوء، حتى وإن لم تكن مرئية)، لماذا لا تستطيع الإشارة الخروج لأن الزمن متلوي بشدة بداخل الثقب. كلما اقتربنا منه كلما تباطأ الزمن، وعند أفق الحدث يتوقف، وبالداخل سيكون الزمن ملتويا إلى الداخل متجها إلى التفرد.

أيضا، فإن بعض الثقوب السوداء تدور حول نفسها، كما تفعل ذلك الكواكب، وحينما تدور فإن الزمكان يتم جره معها بقوة جاذبيتها الجبارة، تستطيع أن تتصور ذلك ذهنيا بمقارنته مع الزوبعة التي تداور الهواء من حولها، صفات الثقوب السوداء، بما فيها من زوبعتها للزمكان لها قوانينها المشتقة من قوانين آينشتاين للنسبية العامة.

هناك أدلة كثيرة على وجود الثقوب السوداء، ولكن لأنها ثقوب سوداء، ولا يمكن رصدها هي مباشرة، إلا أن الأدلة التي جمعها العلماء حولها بطرق غير مباشرة تدل وبشكل مؤكد أنها موجودة، وهي ليست فقط موجودة بأنحاء متفرقة من الكون وبأحجام صغيرة (أي أنها تعادل الشمس بضع مرات)، بل هي موجودة في مراكز المجرات، وعادة ما تكون هي الأكبر يطلق عليها ثقوب سوداء “فائقة الضخامة”، وفي مجرتنا (درب اللبانة)، هناك ثقب أسود فائق الضخامة، وكتلته أكثر من 4.1 مليون شمس، وقد شاهد العلماء نجوما تدور حوله. الرابط التالي يبين حركة النجوم من حول الثقب الأسود في مركز مجرتنا، وفي اللقطة هناك مماثلة لحركة النجوم حول الثقب.

black hole at the center of milkyway

http://www.galacticcenter.astro.ucla.edu/blackhole.html

أكبر ثقب أسود مكتشف حاليا يحتوي على ما يعادل كتلة 17 مليار شمس، وهو موجود في مجرة NGC1277، والتي تبعد عنا 250 مليون سنة ضوئية. تخيل أن تكون في مجرة فيها هذا الثقب الأسود، ستفخر بمجرتك بالتأكيد!

هذه كانت مقدمة سريعة عن الثقوب السوداء، وتستطيع مراجعة حلقة الثقوب السوداء القديمة لمعرفة المزيد عنها، وعن كيفية تكونها.

بحسب كيب ثورن، فإنه لا توجد مادة بداخل نقطة التفرد، فصحيح أن مادة النجم انهارت على بعضها، إلا أنها لم تعد مادة، إنما كل ما هو موجود فيها هو التواءات في الزمكان، وهذه الالتواءات شديدة بحيث هي التي تكون نفسها، وهي كالشخصية التي تكون في قصص الخيال العلمي والتي تعود بالزمن لتلد نفسها، هكذا هي نقطة التفرد كما يصفها كيب ثورن (مثل الأم التي تلد نفسها)، وهذه هي حقيقة علمية بحسب قوانين آينشتاين للنسبية العامة.

حينما نتكلم عن الدائرة فكلنا يعرف أن محيط الدائرة هو 2πR، أو حاصل ضرب القطر في باي، حينما ترسم دائرة على ورقة، تستطيع أن تعرف محيطها من خلال القانون البسيط هذا، فلو كان القطر هو 10 سم، فإن المحيط سيكون 31.41 سم، وهذا ينطبق على أي دائرة رسمت على مسطح، ولكن حينما تأتي للزمكان فالأمور تختلف، ويظهر هذا الاختلاف جليا في الثقوب السوداء، لأن قانون الدائرة لا يعمل هناك، فطول القطر في باي لا يساوي المحيط بل قد يكون أكبر منه.

وحتى نرى كيف يكون ذلك، لنسطح العالم (أي لنعتبره ثنائي الأبعاد)، ولنقل أن العالم هو عبارة عن قماش الترامبولين (الذي يتنطط عليه الرياضيين في الجمباز)، ولنعتبر أن نملة تعيش على هذا العالم المسطح الثنائي الأبعاد، ورسمت دائرة كبيرة عليه، وقامت بقياس القطر والمحيط، ووجدت أن المحيط والقطر يتماشيان مع القانون، خصوصا أن الترامبولين مشدود من الجوانب، وهو الآن مسطح بالكامل.

سقطت صخرة ثقيلة على الترامبولين في مركز الدائرة، سيتقعر المركز إلى الأسفل، وذلك بسبب تمدد القماش، إن أتت النملة مرة أخرى لقياس محيط الدائرة، ثم قامت بقياس القطر ستجد أن هناك اختلافا في حساب القانون، فطول القطر أطول بكثير من السابق، حيث أن القماش أصبح ممتدا. هذا ما يحدث للثقب الأسود، ولكن في الأبعاد الثلاث المكانية، بالإضافة للبعد الرابع الزماني.

shutterstock_25016035
الثقب الدودي الثناني الأبعاد يغوص التفرد في البعد الثالث

الثقب الدودي – كيف يتكون؟

الآن لنأت للنقطة الأهم والتي يعتمد عليه كيب ثورن لتكوين الثقوب الدودية اعتمادا فكرة كون محيط الدائرة لا يتبع قانون 2πR، وهي: إذا كان عالم النملة الثنائي الأبعاد يغوص في البعد الثالث المكاني (نحن الذين نرى أن التقوس حدث في البعد المكاني الثالث)، فإلى أين يغوص الثلاث أبعاد في الثقب الأسود؟ يعتقد كيب ثورن أن بالإضافة إلى الأبعاد المكانية الثلاثة فهناك بعد مكاني رابع، وهو الذي يغطس إليه البعد الثالث، وسيكون بذلك مجموع الأبعاد هو 5 بدلا من 4 (أربعة مكانية، وواحد زماني، سنأتي لأعداد الأبعاد في الحلقة القادمة). ومن هذه الفكرة بالإمكان استخدام الثقوب السوداء للسفر إلى أمكان بعيدة في الكون، بحيث لا يمكن السفر إليها باستخدام الأبعاد الثلاثية، وهذا البعد الإضافي يدخل إلى ما يطلق عليه اسمه بالك Bulk، وهو العالم الذي يحتوي على جميع الأكوان، أو ما يسمى بـ Brane.

الثقوب الدودية هي فتحات توصل الكون ببعضه، بحيث يمكن الوصول إلى نقطتين بعيدتين بسرعة، والمقصود أنه بالإمكان اختراق الزمكان الرباعي الأبعاد باستخدام الزمكان الخماسي الأبعاد للوصول بسرعة كبيرة جدا، وهذا ما حدث في فيلم انترستلر، حيث أن كوبر وفريقه انتقلوا جميعا عبر ثقب دودي بالقرب من زحل إلى مكان آخر وبسرعة خاطفة.

حتى تكون الفكرة أكثر وضوحا، لنتخيل جدران المنزل، أنت الآن في غرفة وفيها أربعة جدران على الجنب، وهناك أرضية، وأيضا سقف، لنفترض أن نملة تعيش في عالم الجدران المسطح، كانت وقفة على الجدار الذي أمامك، وعلى ارتفاع بصرك، ولنفترض أنها أرادت أن تعبر من هذا الحائط إلى الحائط الذي هو خلفك، كيف ستصل إليه؟ ستمشي على الحائط الذي هي عليه الآن إلى الأسفل (أو الأعلى)، ثم تعبر على الأرضية أو السقف، ثم تصل إلى الحائط الخلفي، ثم تمشي عليه إلى أن تصل إلى النقطة النهائية بارتفاع مد بصرك. ولكن تستطيع أن تمسك بها، وتنقلها عبر البعد الثالث لتصل إلى الحائط الأخر بمدة زمنية أقل. أنت تعيش في الأبعاد المكانية الثلاثة، ولو توفر لك بعدا مكانيا رابعا، ستتخطى مسافات كبيرة بسرعة أكبر، لأنك لن تمر بالمسافات الشاسعة بين نقطتين.

اكتشف العالم لودفيغ فلام (Ludwig Flamm) باستخدام قوانين آينشتاين للنسبية العامة أنه بالإمكان تكون ثقوب دودية، لم ينتبه أحد لفكرة لودفيغ لمدة 19 عاما، وفي سنة 1935، ومن غير علم بنظريات لودفيغ اكتشف آينشتاين الثقوب الدودية نفسها، هو والفيزيائي، نيثن روزن (Nathan Rosen)، ولقبه الفيزيائيون بعد ذلك بجسر آينشتاين روزن، وبعد ذلك وبعد مرور نصف قرن اكتشف جون ويلر، وهو أحد مدرسي كيب ثورن، أمر مهم عن الثقوب الدودية، وهو أنها تنشأ، وتكبر، وتتسع، ثم تصغر وتختفي.

الأن لنجمع الأفكار مع بعضها، لنتخيلها أولا في عالم النمل، وعلى الترامبولين، لنفترض أن هناك ترامبولينين (إثنين من الترامبولين) فوق بضعهما، نملة تريد الانتقال من الترامبولين الأول في الأعلى إلى الثاني في الأسفل في المركز، تستطيع أن يمشي إلى أن تصل حافة الترامبولين، ثم تنزل على العمود، ثم تصعد على الترامبولين الثاني، إلى أن تصل إلى المنتصف.

ولكن لنفترض أن صخرة وقعت على الترامبولين العلوي في الوسط تماما، فسيخفض إلى الأسفل، ولنفترض أن صخرة ضربت الترامبولين الثاني من الأسفل في الوسط أيضا، سيتقعر إلى الأعلى، هذان التقعران اللذان يشبهان قمعان ستلتقي أعناقهما في الفضاء بينهما، ولو أن في كل واحد من الترامبولين ثقب، فإنه ستتكون فتحة توصلهما مع بعضهما، ولو بقيت هذه الفتحة مفتوحة لفترة، ستعبر النملة من الترابولين الأول وستصل إلى سطح الترامبولين الثاني من غير العبور في عالمها المسطح، بل عبرت خلال البعد الثالث.

بعالم النملة كانت هناك صخرة تدفع قماش الترامبولي إلى الداخل بحيث يصبح لدينا شكل القمع، ولكن كيف يتكون في العالم الذي نعيش فيه؟ لو توفر لدينا تفردين، كما يحدث في الثقوب السوداء التي ذكرتها سابقا، وكل تفرد كان في مجرة بعيدة جدا عن الأخرى، فإن التفرد كما يعتقد كيب ثورن سيكون ممتدا في البعد الرابع المكاني، وإن التقى هذان التفردان، فإنهما سينفتحان على بضعهما، سيكون لدينا ثقبا دوديا يمكن المرور فيه من مجرة إلى مجرة أو من كون إلى آخر بسرعة أكبر بكثير من العبور في الأبعاد المكانية الثلاثة.

لنرجع إلى شكل الثقب الدودي الثنائئ الأبعاد، تستطيع أن تمثله على شكل قمع في سطح، بحيث يخترق السطح، ثم ينحف إلى أسفل السطح، وهكذا إلى أن يتلقي مع الجزء النحيف من القمع الآخر، ثم يعود لتكبر فوهته تدريجيا إلى أن نصل إلى العالم الثاني، هذا الشكل ينطبق على بعدين، ولكن ما هو شكل الثقب الدودي في الأبعاد الثلاثة؟ سيكون على شكل كرات بداخل بعضها، فوهة الدخول هي كرة في هذا الجانب من الكون على سبيل المثال، وتصغر هذه الكرة تدريجيا، ثم تعود لتكبر مرة أخرى في الجزء الآخر من الكون. وهذا ما رأيناه في فيلم انترستلر، ثقب دودي كروي ثلاثي الأبعاد. لم تعد صورة القمع كما كانت في البعدين المكانين.

تبقى أن هناك مشكلة أساسية في الثقوب الدودية، وهي أنها بحسب جول ويلر أنها تنشأ، وتكبر، وتتسع، ثم تصغر وتختفي، وبحسب القوانين الفيزيائية، أنه لا يمكن للثقب دودي أن ينفتح لفترة طويلة، بل إن السرعة التي يتكون فيها ويختفي فيها لن تسمح حتى للضوء بالمرور وذلك بسبب سرعة انحلاله، إذن، فمن الناحية الطبيعية لن تكون هناك ثقوب سوداء يمكن عبورها.

أما لو تخيلنا أن هناك حضارة متقدمة جدا، فإنه قد يكون بإمكانها فتح ثقوب دودية ومسكها باستخدام طاقة سالبة أو كتلة سالبة، ويطلق عليها اسم المادة الغريبة Exotic Matter، وهذه هي مادة حقيقة موجودة، وقد أنتجها العلماء في المختبرات بكميات ضئيلة جدا في تجربة تأثير كازيمير، هذه الثقوب اسمها الثقوب الدودية التي يمكن اجتيازها (Traversable). وما حدث في فيلم انترستلر هو أن حضارة بشرية متقدمة جدا، وهي تعيش في البالك، وهي التي فتحت الثقب الدودي للبشرية في الماضي (نعم بحسب كيب ثورن، هي حضارة بشرية مستقبلية، ولقد ذكر ذلك كوبر في الفيلم حينما كان في الثقب الأسود غيرغانتشوا).

للعلم، أو شخص أدخل الثقوب الدودية إلى أفلام الخيال العلمي هو كارل سيغان في فيلمه الشهير جدا كونتاكت Contact، فقد كان يريد أن ينقل العالمة إلانور أرو وي (Eleanor Arroway) عبر الكون من الأرض، وكان يفكر في استخدام ثقبا أسود لهذه العملية، ولكن الثقب الأسود الواحد بنقطة تفرد ستسحق الدكتورة، فقام كيب ثورن باقتراح الثقب الدودي له، وكتب له معادلات الثقب الدودي، فأصبح جزء من منظومة أفلام الخيال العلمي.

هل للثقوب الدودية وجود في الناحية النظرية العلمية؟ نعم فهي موجودة في القوانين الرياضية التي تعتمد على قوانين آينشتاين، ولكن لم يكتشفها العلماء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالرغم من أن الكثير من النجوم تموت وتتحول إلى ثقوب سوداء إلا أنها لا تشاهد على شكل ثقوب دودية، هناك محاولات افتراضية من كيب ثورن لتكوينها مما يسمى بالرغوة الكمية، ولكنها هي أيضا ربما لا تكون فكرة موفقة، ولكني لن أخوض في هذا الجانب. هل من بإمكان الثقب الدودي الثبات؟ يبدو أن الأوراق العلمية كلها تؤشر إلى عدم إمكانية ذلك.

أتوقف عند هذه النقطة، وأكمل بقية المعلومات عن الثقوب السوداء، وأمور أخرى.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. انفجرت بداخلي الرغبة للعوده الى الجامعة ودراسة الفيزياء والطبيعه بعد ان استمعت للبودكاست الخاص بك يادكتور ، لم اشعر بهذا القدر من المتعه والجمال من الفيزياء بمثل ماشعرت فيه عند الاستماع للبودكاست ،، واصل وفقك الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى