Computers and Internet

SW049 الإنترنت والشبكة العالمية الواسعة

الإنترنت والشبكة العالمية الواسعة

الإنترنت والشبكة العالمية الواسعة

أول تجربة لي على الإنترنت كانت في سنة 1989 في الولايات المتحدة الأمريكية، كنت أسكن في شقة هناك، وتعرفت على شاب طويل الشعر مفتول بملابسه الرثة يعيش في نفس المجمع الذي أعيش فيه، كان ذكيا ويعرف الكمبيوتر جيدا، فتحدثنا عن شيء اسمه بولتين بورد Bulliten Board [1]Bulliten Board ويختصر بحروف بي بي إس (BBS)، لم أكن أعرف ما هو البي بي إس، فشرح لي الموضوع، حيث أن البي بي إس عبارة عن منتدى بطريقة بدائية جدا (خلاف ما تراه اليوم) تدخل عليه من خلال ما يسمى بـ دم ترمينال Dump terminal [2]Dump terminal باستخدام المودم عن طريقة خط التلفون، ومن خلال البي بي إس تستطيع أن تنزل برامج، وترفع برامج، وتقرأ الأخبار، وتتبادل الرسائل مع المستخدمين.

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

بعد قليل من المحادثة تحمس الأمريكي الذي لا أتذكر اسمه الآن وانطلق إلى شقته المجاورة بسرعة، وأتى إلى شقتي محملا بشاشة كمبيوتر وكبيبورد ومودم، ووضعهم على الطاولة، وشغل الجهاز، ودخل على الإنترنت باستخدام المودم، وبسرعة بطئية في تلك الآيام رسمت الشاشة صفحة البي بي إس، وبخط بدائي أخضر ظهرت التعاليمات لاستخدام الموقع، الصورة التالية كانت شبيهة جدا بتلك الشاشة التي رأيتها في تلك الأيام، في ذلك اليوم فتح لي عالم جديد جدا، لم أعرفه من قبل، واتصلت بالعالم الخارجي عن طريق الإنترنت.

الإنترنت

اسمتر البي بي إس إلى منتصف التسعينات حتى ظهر الشبكة العالمية الواسعة (World Wide Web)، وبعد عدة سنوات من ظهور الشبكة العالمية، بدأت المنتديات بالظهور، فاستبدات تلك بهذه، وإن بقيت للبي بي إس آثار بسيطة هنا وهناك.

الإنترنت

أنا ذكرت في بداية الحديث أنني دخلت على الإنترنت في 1989، السؤال هو كيف دخلت على الإنترنت في هذه السنة، ولم يكن الإنترنت له وجود إلا بعد 1994؟ لأجيب على هذا السؤال لابد أن أوضح الفرق بين الإنترنت والشبكة العالمية الواسعة، الكثير من الناس لا يعرف الفرق بينهما ولكن هناك اختلاف كبير بين الإنترنت والشبكة العالمية، حيث أن الإنترنت اسس في الستينات، كانت البداية حينما أرادت الداربا – وهي وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة DARPA [3]DARPA أو (ARPA) قبل ذلك – أن تكوّن شبكة من الاتصالات بحيث تبقى الإتصالات في الأماكن الحساسة متصلة حتى لو قطعت الاتصالات في مكان آخر بسبب حرب أو ما أشبه، إلى درجة أنه حتى لو كانت هناك حرب نووية لن تنقطع الاتصالات، وفعلا أسست لهذا الغرض هذه الشبكة.

هذه الشبكة كانت الحجر الأساس لتكوين الإنترنت ولكن لم يتكون الإنترنت إلا في سنة 1969، ففي 29 من شهر أكتوبر 1969 في الساعة العاشرة النصف ليلا، انطلقت أول رسالة بين كمبيوترين على الشبكة، حيث كان هناك شابان في علوم الكمبيوتر واحد منهما في جامعة يو سي إل إي (UCLA) والآخر في جامعة ستانفورد (Stanford Unviersity)، تفصلهما مسافة 356 ميل، كان كل منهما جالس على الكمبيوتر، وكانت الفكرة أن واحدا منهما سيدخل على كمبيوتر الآخر حتى يتمكن من استخدامه عن بعد. واحدا من هؤلاء الأشخاص والمؤسس للإنترنت هو الدكتور لينورد كلاينروك Leonard Kleinrock [4]Leonard Kleinrock ، جلس أمام شاشته، أراد طباعة كلمة “LOG”، فطبع أول حرف “L” – وكان على اتصال هاتفي مع زميله في جامعة ستانفورد – فقال له صاحبه أن أول حرف ظهر على الشاشة، ثم أدخل الحرف الثاني “O”، فقال له صاحبه أن الحرف الثاني وصل، حتى إذا ما طبع الحرف الثالث “G” تعطل الكمبيوتر. إذن، أول رسالة على الإنترنت على الإطلاق كانت كلمة “LO”، كان ذلك ميلاد الإنترنت.

ما هي النقطة الأساسية في فكرة الإنترنت؟ النقطة الأساسية في الإنترنت هي فكرة الحزم أو الباكتز Packets [5]Packets ، والفكرة تتلخص في أن المعلومات التي ترسل من مكان إلى آخر تتقطع إلى حزم من المعلومات، ثم ترسل من نقطة إلى أخرى عبر الشبكة، ليس من الضرورة أن تتخذ هذه الحزم خطا واحدا في الشبكة، بل بإمكان كل حزمة من هذه الحزم أن تتخذ مسارا مختلفا لتبدأ رحلتها من نقطة البداية إلى أن تصل إلى نقطة النهاية، وعند نقطة النهاية يتم تجميع هذه الحزم لتكوين الرسالة الأصلية، قارن هذه الفكرة بطريقة الاتصال بالهاتف، أنت حينما تتصل بشخص على الهاتف الأرضي، ما يحدث هو أن سنترال التلفون يقوم بتخصيص خط خاص بك، فحينما تتكلم على الهاتف أنت تستخدم هذا الخط، أضف لذلك أنك حينما لا تتكلم يظل هذا الخط موجودا طالما أنك لم تنهي المكالمة، ولو أنك قمت من مكانك وتركت التلفون لدقائق لترجع إليه لاحقا فسيظل الخط بينك وبين الطرف الآخر، إذن المتصل يستحوذ على الخط سواء أكان الخط مستخدما أم لا.

أما في حالة الحزم فالأمر يختلف تخيل أن مجموعة كمبيوترات متصلة بخط واحد وبمجموعة أخرى من الكمبيوترات في الطرف الآخر، فلو أراد عدد من المستخدمين أن يرسلوا رسائلهم من طرف إلى طرف آخر فبإمكانهم استغلال هذا الخط الواحد في الوقت الذي لا يستخدمه أحد، حيث أن كل رسالة تقسم إلى حزم، ثم تبعث هذه الحزم من الطرف الأول إلى الطرف الثاني، ولا تحتاج أن تكون كل الحزم للرسالة الواحدة تتبع الأخرى، قد تتداخل حزم من رسالة بين حزم لرسائل أخرى، ولذلك في هذه الحالة يتم استغلال الخط بالكامل، حيث أنه حينما لا يستخدم الخط من شخص، فإن الشخص الآخر بإمكانه استخدامه.

الإنترنت

أما الشيء الآخر والمهم في الإنترنت هو الراوتر Router [6]Router وهو الجهاز الذي يربط أجهزة الكمبيوتر ببعضها البعض لتكوين شبكة متداخلة، وحينما يقوم الكمبيوتر بإرسال رسالة على شكل مجموعة من الحزم إلى كمبيوتر آخر، فإن الحزم تنطلق عبر الأسلاك أو الفيربر أوبتيك أو عبر القناة، ثم تصل إلى الراوتر، ما يقوم به الراوتر هو تحديد المسار الذي ستسير فيه الحزمة خلال الخطوط المتصلة به، وهكذا تنطلق الحزمة من راوتر إلى آخر إلى أن تصل إلى النقطة النهائية، الجميل في الموضوع أنه ليس بالضرورة أن تسير جميع الحزم في نفس المسار، مع إن بعض الحزم تنتمي إلى رسالة واحدة إلا أن الراوتر يحدد مسار سير الحزمة، طبعا كل حزمة مرسلة تحتوي على العنوان للنقطة النهائية، وفي المحصلة النهائية ستصل جميع الحزم إلى هذه النقطة استنادا على العنوان، وحينما تصل فإنها تتجمع وتكتمل الرسالة الأصلية. كل هذا التنظيم لتقطيع المعلومات إلى حزم ونقلها بناءا على العنوان تسمى ببروتوكول الإنترنت (Internet Protocol) أو الإختصار هو الأي بي (IP)، ولذلك ربما سمعت بكلمة آي بي آدرس (IP Address)، وهو العنوان الذي تنقل إليه الرسائل، وهذه الكملة اختصار لـ: تي سي بي / أي بي (TCP/IP) أو برتوكول التحكم بالإرسال / برتوكول الإنترنت (Transmission Control Protocol/Internet Protocol). هذا شرح مبسط إلى أقصى الحدود، صديقي العزيز موسى المهنى وضع على مدونته شرح لهذا البروتكول بتفصيل أكبر.

الإنترنت

طبعا هذه التطورات التي جرت على الإنترنت لم تحصل في وقت واحد، ولكنها تطورت تدرجيا من الستينات، والبروتوكولات أول ذكر لها كان في ورقة نشرت في مجلة من مجلات جمعية المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين (IEEE) في سنة 1974، والفكرة ترجع لفينت سيرف وبوب كان (Vint Cerf and Bob Kahn)، وطبقت هذه الفكرة في سنة 1977 كبداية [7]Internet Protocol ، ثم تطورت الفكرة تدريجيا وهي إلى يومنا هذا لا تزال التطورات مستمرة فيها، وسأترك شرح البروتوكولات إلى وقت آخر.

سألني مروان العمودي على الفيس بوك: “كيف دخل الإنترنت على جميع الدول؟” أتذكر من قراءتي لكتاب الأرض مسطحة “(The Earth is flat) أنه حينما انطلق الإنترنت وفي أوج انطلاقته تسابقت شركات أمريكية لتوسيع الشبكة، فصرفت الملايين لمد الكثير من الخطوط الفيبر أوبتيك خلال البحر، وغير ذلك من الاتصلات اللاسلكية، ووسعت الشبكة بشكل هائل عل ذلك يعود عليها بالنفع، وفعلا أوصلت الكثير من الدول ببعضها، ولذلك ترى جسور الإنترنت ممتدة إلى جميع أنحاء العالم، وبدأت الشركات في داخل البلدان باستغلال هذه الخطوط للإتصال بباقي العالم، العملية معقدة كثيرا، ولا أستطيع شرحها بالكامل هذه الحلقة، وخصوصا أن هناك تداخل في موضوع مقدمي خدمات الإنترنت وغيرها. أما الأخ فهد الغامدي سألني عن مخترع الإنترنت، في الحقيقة ليس هناك اسم واحد لامع، فمثلا البعض يطلق على فينت سيرف لقب “أب الإنترنت”، وأيضا البعض يرجع الفضل للينورد كلاينروك، وهناك الكثير من الأسماء الأخرى التي ساهمت في تطوير الإنترنت بشكل كبير، وليس هناك اتفاق واضح في هذا الموضوع، ولكن ما هو متفق عليه هو من اخترع الشبكة العالمية الواسعة (World Wide Web)، وهو السير تيم بيرنرز لي.

الشبكة العالمية الواسعة

أنت حينما تتصفح الإنترنت فإنك تستخدم المتصفح مثل الإنترنت إكسبلورر أو الفاير فوكس أو الجوجل كروم، وتنتقل بي صفحة وأخرى بواسطة الروابط المختلفة، وتستطيع أن ترى كيف أن المعلومات كلها متربطة مع بعضها البعض بشكل متشابك، هذه الطريقة التي ترى فيها المعلومات بالكتابة والصور والكماليات المختلفة تعود للشبكة العالمية الواسعة [8]World Wide Wed World Wide Wed، والحروف التي تكرر كتابتها في الكثير من العنوانين (www) هي في الواقع اختصار لـ World Wide Web، والفكرة في أساسها ترجع إلى السير تيم بيرنرنز لي (Sir Tim Berner Lee)، حيث أنه ابتدع فكرة ربط صفحات هيبرتيكست (Hypertext) معتددة بحيث يمكن للمستخدم الوصول لها عن طريقة الإنترنت بكل سهولة.

قدم عرضا في سنة 1989 لفكرته، وبدأ بتطبيق الفكرة، وبرمج أول براوزر هو بنفسه في سنة 1990، وهذا البراوزر كان بدائي ولكن مكنه من الدخول على الجهاز الذي وضع فيه المعلومات، وسمى البروازر WorldWideWed (كلمة واحدة)، هذا البراوز كان قبل الإنترنت إكسبلورر وفاير فوكس وغيره، وكانت صفحته أول صفحة على الإنترنت بطبيعة الحال، وفي نفس الوقت أسس لفكرة تسمية المواقع والتي نسميها اليوم يو آر إل (URL)، وهي مثل www.facebook.com  أو www.boingboing.net (لم يسمها هو URL، وسميت لاحقا بذلك)، وطريقة عمل الصفحات أو برمجتها (وإن لم تكن برمجة بحد ذاتها) سميت إيتش تي إم إل (HTML) أو (HyperText Markup Language)، وطريقة عمل الصفحات هي في منتهى البساطة مما سهل على الناس عملها، ولذلك ترى هذا الانتشار الهائل للصفحات على الإنترنت.

ولكن مع كل هذا الإبداع إنطلاقة الإنترنت فعليا لم تبدأ مع هذا التأسيس بل بدأت مع البرواوزر الموزييك (Mosaic) سنة 1993، وأتذكر جيدا في سنة 1994 حينما كنت طالبا في الباكلوريوس طلب مني صديقي التايواني ديفيد دجيانج (David Djiang) أن آتي إلى كمبيوتره لأرى شيئا غريبا ورتئعا، وكان معروف ديفيد باصطياده لأحدث الأخبار التكنولوجية، وعبثه فيها، حتى أتذكر كان يعمل في محل للكمبيوتر وركب كمبيوتر بالكامل وأهداني إياه، نظرت إلى الشاشة، وإذا به يشغل الموزييك، عندها ظهرت صور وبجانبها كتابة، وكانت الصورة لشعار جامعة UICU، الجامعة التي صنع فيها الموزييك، وقال لي: “أتعلم أين نحن الآن؟” قلت له: “لا”، فرد علي: “نحن الآن في جامعة UIUC”. لم أصدق ما رأيت، وضغط على الرابط لينتقل إلى معلومة أخرى، وأخرى، وهكذا، وفعلا انصدمت بروعة الفكرة، المعلومات كلها أصبحت سهلة، ويمكنك الإنتقال من واحدة إلى الأخرى بكل سهولة.

بعدها وبسرعة البرق بدأ الصفحات في الظهور في كل مكان، بسرعة هائلة غير متوقعة، وبدأت التطورات تتوالى، وأتى بعد الموزيك مباشرة المتصفح نيت سكيب (Netscape)، وهذا المتصفح كان رائعا، لم يكن ليصمد أمامه الموزييك، وبعدها بدأت لغات الإنترنت بالظهور مثل الجافا، حيث رأيت بدايته، وذلك حينما طلب مني دكتور في الكلية أن أرى إمكانية الجافا من خلال المتصفح، ورأيت صور ثلاثية الأبعاد لهليكوبتر وحركها في الفأرة (mouse)، وقال لي: “هذا هو مستقبل الإنترنت.” وأنت ترى اليوم حصيلة كل هذه التطورات حينما تتصفح الشبكة العالمية، وحينما تشتري، وحينما تنزل برنامج، وحينما تتصل مع الأصدقاء، وفي مقابلة لينورد كلاينروك في برنامج ساينس فرايدي (Science Friday) ذكر أنه لم يتوقع أبدا أن تكون هذه الشبكة عن خطاب الناس لبعضهم البعض، وخصوصا أن الفكرة في البداية كانت عن ربط الكمبيوترات ببعضها.

هناك بعض الأسئلة الأخرى التي وصلتني، لن أستطيع الإجابة عليها الآن، أتركها لحلقات قادمة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى