فيزياءكونيات

SW039 الزمن

الزمن

الزمن

”حتى تتفوق بالفيزياء لابد أن تعتنق الشك أثناء مسيرتك في الطريق المتعرج إلى الوضوح“

براين جرين

في كتابه نسيج الكون

في هذه الحلقة سأتكلم عن نظرية الألعاب، نظرية الألعاب لا علاقة لها بألعاب الكمبيوتر، ولا بألعاب الرياضة ولا حتى بألعاب الأطفال إنها النظرية المستخدمة في السياسة والاقتصاد والحروب والاستراتيجيات… لحظة، ليس هذا هو موضوعي، موضوعي عن الزمن، سأركب آلة الزمن في سيارة الديلورين للرجوع إلى نقطة بداية الحلقة، وسأصحح الماضي، وأبد الحلقة بالشكل الصحيح…

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

(الإنطلاق بسيارة الدليورين للرجوع إلى الماضي)

أهلا وسهلا بكم في حلقة السايوير، اليوم سأتكلم عن موضوع الزمن، وهو أروع وأحلى وأجمل موضوع في العلم والخيال العلمي بالنسبة لي، من حيث الخيال العلمي أنا شاهدت معظم أفلام الخيال العلمي عن السفر عبر الزمن، وقرأت أغلب القصص المطولة والقصيرة في نفس الموضوع، وحينما أقرأ الموضوع من الناحية العلمية فإنني أنغمس فيه إلى أبعد الحدود، لنرى جانب الخيال العلمي في السفر عبر الزمن من خلال القصص الخيالية والأفلام، ثم ننتقل إلى قصة جون تيتور على الإنترت الذي ادعى المجيء  من سنة 2036 في آلة الزمن وتنبأ بالكثير عن المستقبل، ثم ندمج مع كل ذلك الخيال العلم لنعطي صورة واقعية للموضوع، فشدوا أحزمتكم حتى نبدأ معا في رحلة عبر الزمن.

القصص والأفلام الخيالية عن السفر الزمني

الكثير من القصص الخيالية والأفلام تتكلم عن السفر عبر الزمن، وبداية القصص من هذا النوع ربما يرجع إلى 300 سنة قبل الميلاد، ولكن ليس هناك اتفاق واضح على هذا الموضوع، ولكن منذ ذلك الوقت تطور سرد قصص السفر عبر الزمن إلى عصرنا الحالي، وربما أول من أسس لفكرة آلة الزمن والتي تعبتر قصصه الإنطلاقة لقصص الخيال العلمي الأخرى في الزمن هو الكاتب العملاق إيتش جي ويلز (H.G. Wells)، وقد كتب قصة آلة الزمن في سنة 1895 (وإن كان قد سبقها بقصة أقل شهرة قبلها في سنة 1888)، وأنا قرأت هذه القصة عدة مرات، وشاهدت فيلم آلة الزمن (The Time Machine) الذي أنتج بناء على القصة عدة مرات أيضا، وهذا الفيلم أنتج في سنة 1960، حتى جاء سايمون ويلز (Simon Wells) وهو أحد أحفاد إيتش جي ويلز وقام بإعادة إنتاج الفيلم مرة أخرى بتقنية حديثة في سنة 2002، وشاهدت هذا الفيلم ايضا أكثر من مرة.

الزمن

الزمن

حبي لهذه القصص والأفلام لا يبدأ من هذه النقطة، بل أستطيع أن أرجع إلى الوراء إلى حيث كنت صغير السن، وكان والدي حفظه الله يسرد لي القصص ليلا كي أنسجم مع الليل وأتجه إلى النوم، وفي يوم من الأيام قال لي قصة، هي واحدة من القصص التي بقيت معي إلى يومنا هذا، القصة كالتالي، أن والدي في إحدى سفراته إلى الهند وأثناء تجوله في الشوارع في الليل شاهد شيئا غربيا، رأى حشدا من الناس تلتف حول رجل انهالت عليه بالضرب، وكلما ضربوه كلما قدم لهم المال، وطلب منهم أن يضربوه أكثر، “إضربوني إضربوني، لكل ضربة عملة ذهبية” ويزداد ضرب الناس له بالنعال، فتتطاير الأحذية والنعل من كل مكان، حتى ينفذ ماله لتلك الليلة، فراقبه الوالد عدة ليال، إلى أن قرر أن يعرف السبب، فتقدم منه والدي، وسأله عن السبب الذي يدعوه لطلب الألم لنفسه مقابل المال.

فأجاب الرجل: “لن أخبرك بقصتي حتى تأتيني بقصة الحلاق.” فأشار لوالدي بمحل الحلاق.

في اليوم التالي ترصد والدي محل الحلاق، فإذا به يرى الحلاق يدخل المحل في الصباح، ويأتي له الزبون، فيبدأ بالحلاقة، وقبل أن يبدأ يخرج من المحل، وينظر يمنة ويسرة فيحزن، ثم يعود مرة أخرى، ثم يباشر بالحلاقة، فيقص أول خصلة، ثم ينطلق إلى الخارج مرة أخرى وينظر يمنة ويسرة فيحزن، ويرجع خائبا، وبين كل خصلة وأخرى يقوم بنفس العملية، ويكررها إلى أن يمل الزبون ويترك المحل مستاءا، فدخل والدي إلى المحل وجلس على الكرسي وطلب من الحلاق أن يحلق شعره، وقام الحلاق بنفس العملية، ولكن لم ينفذ صبر والدي، بل بقي في المحل إلى أن انتهى الحلاق من قص الشعر، فسأله والدي عن السبب الذي يدعوه لذلك، فرد عليه الحلاق: “لن أخبرك بالقصة حتى تأتيني بقصة الحداد”

فتوجه والدي في اليوم الذي يليه إلى مكان عمل الحداد، فرأى حداد يحمي حديدة في نار حامية، حتى إذا ما حميت واحمرت أخرج الحديدة من النار تذكر شيئا، يضع الحديدة على الصخرة بجانب النار، ثم يركض إلى سطح منزله فينظر إلى الأعلى، فلا يجد مراده، فيرجع خائبا، وكرر هذا الشيء الكثير من المرات، فتوجه له والدي، وطلب منه سرد قصته له، فدعاه الحداد إلى منزله ليخبره بالقصة.

فبدا القصة بأغرب ما يمكن أن يبدأ به أي شخص بقصته، وأخبره أنه حسب الحسابات الأرضية فإن عمره أكثر من 250 سنة، مع أن الحداد – كما بدا لوالدي – لا يتعدى الأربعينات، فاستغرب لذلك والدي، وبدلا من الاستماع أنصت لقصته، فأخبره الحداد أنه بينما كان في يوم من الأيام وقبل أكثر من 200 سنة يعمل في الحدادة، فإذا به يسمع صوت صراخ يأتي من سطح المنزل، فركض فزعا إلى السطح، فإذا به يرى تلك المرأة الجميلة التي كانت تركض على السطح مبتعدة عن طائر كبير يحاول اصطيادها بمخالبه، وقبل أن يحاول إنقاذ تلك البنت تمكن الطائر من إمساكها أثناء طيرانه، فرمى الحداد بحديدته الحامية على الطائر، فأصابت جناحه، فتعرقل الطير قليلا، مما أتاح للحداد الفرصة للإمساك برجله.

ذلك لم يثني الطير من إكمال مسيرته، فطار في الهواء وارتفع في السماء، وابتعد عن الأرض بسرعة هائلة لم يعهدها الحداد في حياته، وانطلق خلال السحب وما إن وصل إلى الغلاف الجوي حتى بدأ الطير بالإنطلاق بسرعة لم تكن معقولة، ولا يمكن أن تقاس بأي نوع من مقاييس السرعات المعهودة، فنظر إلى الأسفل ليرى الأرض تبتعد عنه بشكل غير طبيعي، فما كان منه إلا أن زاد تشبثا بالطائر أكثر – خوفا من السقوط والموت الحتمي، فانطلق الطائر بسرعة أكبر وابتعد عن المجموعة الشمسية، ثم عن المجرة، حتى إذا ما اقترب من مجرة أخرى بدأ بالتباطؤ شيئا فشيئا، إلى أن وصل إلى كوكب شبيه بالأرض، وحينما هبط على سطح الكوكب الجديد اتضح له أنه هذا الكوكب متطور بدرجة خيالية، ومع الوقت اتضح أن الطائر ليس إلا مركبة فضائية، لانتشال الهاربين.

لا أطيل عليكم القصة، وخصوصا أن فيها أحداث كثيرة، ولكن نصل إلى مرحلة بعد عاش الحداد على ذلك الكوكب فترة بسيطة من الزمن أرسل إلى الأرض بعد أن خالف بعض قواعد ذلك الكوكب، وحينما رجع إلى منزله، وطرق الباب فتح الباب شاب صغير السن لم يعرفه الحداد، من هو هذا الشخص يا ترى؟ بعد أخذ وعطاء اتضح أن الولد هو أحد أحفاد الحداد، وقد غاب الحداد عن البيت أكثر من 200 عام بينما لم يمر عليه هو شخصيا سوى سنة واحدة.

انتهي عند هذه النقطة في القصة وإن كانت تحتوي على الكثير من التفاصيل.

حينما رأى والدي علامات الاستفهام على وجهي توقف عندها ليشرح لي السبب في هذا الفارق في الوقت، وشرح لي النظرية النسبية الخاصة، ربما لم أفهم الفكرة جيدا في ذلك الوقت، ولكن ظلها لازمني إلى حين أن قرأت كتابا مبسطا في الموضوع، ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا عشقت المواضيع التي تتعلق بالسفر عبر الزمن. لازلت أحتفظ بقصة آلة الزمن التي أهداني إياها والدي، وهي التي رسخت حبي في هذا المجال من القصص، ومن بعدها قرأت الكثير من القصص، ومنها القصيرة التي لا تتعدى بعض الصفحات وفيها من الغرابة والعقد ما لا يفكه العقل الراجح، ومنها ما تنغمس فيه بلا أدنى خوف من الوقوع في التناقضات وإن كانت مليئة به.

أحلى القصص الحديثة هو آلة الزمن الصدفة The Accidental Time Machine [1]The Accidental Time Machine ، وهناك أيضا قصة اسمها سفن الزمن Time Ships [2]Time Ships لستيفن باكسر (Stephen Baxter)، وهي مكملة لقصة آلة الزمن الأصلية نوعا ما، وايضا من أحلى القصص وأروعها هي قصة نهاية الأبد End of Eternity [3]End of Eternity ، أنصحك بقراءة هذه القصص إن كنت تحب هذا الصنف من القصص الخيالية، أنا متأكد أنك لن تمل.

الأفلام في السفر الزمني كثيرة، ولكن كما قلت من أروعها هو آلة الزمن The Time Machine 1960 [4]The Time Machine  او The Time Machine 2002 [5]The Time Machine المعتمدة على قصة إيتش جي ويلز، كلا الإصدارين منها رائع في نظري، وأيضا ربما من أكثر الحلقات الرجوع إلى المستقبل Back to the Future I II III [6]Back to the Future I II III ، والفيلم مكون من ثلاثة أجزاء، وفيه تكون آلة الزمن عبارة عن سيارة الديلورين (Delorean)، والتي استخدمتها شخصيا للرجوع إلى الماضي لابتداء البودكاست بالشكل الصحيح.

الزمن

الظواهر المتناقضة أو المفارقات (Paradoxes)

الفكرة العامة من هذا النوع من القصص هو الانتقال من زمن إلى زمن بطريقة أو أخرى، سواء أكانت آلة الزمن ترسل صاحبها إلى المستقبل أو الماضي يعمل الكاتب فيها على تفادي الظواهر المتناقضة التي تنشأ من السفر عبر الزمن. لنأخذ على سبيل المثال المشكلة الأولى:

“ظاهرة الجد المتناقضة” The Grandfather Paradox [7]The Grandfather Paradox ، ماذا يحدث لو أنك صنعت آلة الزمن واستخدمتها للرجوع إلى الماضي لحين كان جدك صغيرا في السن، فقلته، ذلك يعني أن أحد أبويك لن يولد، إذا لم يولد أحدهما كيف إذا ولدت أنت لتصنع آلة الزمن لترجع فتقتل جدك؟ أو مثلا، كما يقول ستيفن هوكنج (Stephen Hawking) العالم الفيزيائي البريطاني الكبير، لنفترض أن عالما ركب آلة الزمن وحمل معه مسدسا، ورجع إلى الوراء دقيقة واحدة، فقتل نفسه، السؤال هو: من هو القاتل؟ إذا توفي العالم بدقيقة قبل سفره إلى الوراء كيف له أن يرجع إلى الماضي؟

المشكلة من الناحية الفلسفية فأن السفر عبر الزمن يخلق تناقضات في السبب والمسبب، فيقول إيجور نوفيكوف Igor Navikov [8]Igor Navikov الفيزياء-فلكي أن الماضي لا يمكن تغييره مهما حاول الشخص، فلنفترض أنك أردك أن تقتل جدك، في الماضي باستخدام مسدس، حينما تتوجه لمحاولة قتله سيتوقف المسدس عن العمل، أو مثلا سترجعك آلة الزمن إلى مكان آخر بعيد عن جدك في دولة لا يمكنك السفر منها للتوجه إلى جدك في دولتك، أو مثلا، من الممكن أن تطلق الرصاص على جدك، فيقع على الأرض فتتصور أنه توفي فترجع بآلة الزمن مرة أخرى إلى المستقبل لتكشتف أن جدك لا يزال على قيد الحياة، حيث بعد أن قمت برميه بالرصاص لم يمت، بل نقل إلى المستشفى وعولج، أو حينما رفعت المسدس لقتله هجم عليك مجموعة من الناس وأمسكوا بك وسلموك للشرطة، كل ذلك لإبقاء الخط الزمني على ما هو عليه، فلا يمكن قتل الجد لأن ذلك بكل بساطة لم يحدث، ولأنه لم يحدث إذن لابد أن محاولاتك لقتله كلها باءت بالفشل. وهذه القاعدة تسمى مبدأ نوفيكوف للاتساق الذاتي Novikov Self-Consistency Principle [9]Novikov Self-Consistency Principle ، ويقول نافيكوف أنه حتى لو كان هناك مسافرين من المستقبل على سفينة التايتانك لإنقاذها لما استطاعوا، لأنها كل محاولاتهم فشلت وها هي السفينة قد غرقت، ويقول أيضا أنه بإمكان المسافرين القيام بغييرات ليست من شأنها تغيير أحداث المستقبل. فمثلا بإمكان المسافر من المستقبل أن ينذق أشخاص توفوا في حريق، ولكن عليه أن يستبدلهم بجثث أخرى بديلة حتى يظل الاعتقاد أن الخط التاريخي لم يتغير.

الطريقة الأخرى التي يعالج فيها علماء الفيزياء والقصصيين هذا التناقض هو باستخدام فكرة التاريخ البديل أو البدائل التاريخية، والفكرة تقول أنه حينما ترجع في الزمن إلى الماضي، وتقتل جدك عندها ينشق التاريخ إلى شقين، فيكون فيه الأول جدك حي والثاني جدك ميت، وتنطلق أنت في التاريخ الجديد، فعليا أنت لم تغير ماضيك، بل خلقت خطا جديدا يكون فيه ذلك الرجل الذي قتلته لا علاقة له بك، ويبقى جدك الأصلي في التاريخ الآخر حيا، وينجب أبيك أو أمك ثم تولد أنت مرة أخرى، وفي هذه الحالة أنت لم تسافر فقط خلال الزمن بل عبر العوالم أو عبر التواريخ البديلة، وفي هذه الحالة لن تستطيع تغيير الماضي بشكل حقيقي،  وهذه الفكرة تعتمد على المكانيكية الكمية وعلى فكرة العوالم الكثيرة Many Worlds [10]Many Worlds ، وسأتكلم عن هذه النقطة في المستقبل حينما أتكلم عن قطة شرودينجر. ستجد هذا النوع من معالجة السفر إلى الماضي في فيلم Back to the Future وقصة Time Ships.

هناك تناقض آخر وهو من النوع المستقبلي بدلا من الماضوي، ويطرح هذا التناقض براين جرين (Brain Greene) في كتابه نسيج الكون (The fabric of the cosmos)، لنتفترض أنني عالم في الفيزياء، سافرت باستخدام آلة الزمن 5 سنوات إلى المستقبل، وحينها اكشفت أن ورقة علمية في علم الفيزياء عملت ضجة كبيرة بين العالماء، لما قرأت اسم الكاتب صدمت لما رأيت، فالكاتبة كانت أمي، وأنا أعلم جيدا – على قدر احترامي لأمي – أن أمي لا تميز الفيزياء من علم النفس، وشهادتها الدارسية لا تتعدى المتوسطة، قرأت الورقة وتبين لي أنها تحتوي على نظريات متطورة جدا، فحفظت كل التفاصيل العلمية الموجودة بها، ثم عدت في آلة الزمن إلى الوراء وبعد تفكير طويل قررت أن أعلم أمي الفيزياء حتى تصل إلى المستوى الذي تستطيع به كتابة مثل تلك الورقة، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل، وبعد 4 سنوات ونصف وقبل صدور الورقة بستة أشهر قررت أن محاولاتي هذه لن تجدي نفعا، وأنه حان الوقت لأن أكتب هذه الورقة العلمية ثم أزور اسم أمي عليها، نشرت الورقة وأحدثت الضجة المتوقعة، الآن بغض النظر عن أمي، من أين أتت المعلومات في الورقة العلمية؟ أنا وجدت الورقة في المستقبل مكتوبة جاهزة، واستقيت كل ما فيها من العلم، وعدت إلى الماضي لكتابة الورقة بالعلم الذي اكتسبته من المستقبل، أنا أخذت المعلومات من المستقبل، ولم أكن لأعرف هذه المعلومات لولا أنني قرأتها هناك، ولم تكن لدي القدرة على كتابة الورقة العلمية لولا أنني تعلمتها في المستقبل، طيب من الذي كتب الورقة وأسس المعلومات التي فيها؟ هل المعلومات أتت من لا شيء؟ هذا أيضا تناقض غريب، مثل هذا الأمر وغيره يفتح بابا في مشاكل السببية، خصوصا أنه يضع السبب قبل المسبب.

السفر الزمني

هل فعلا يمكن السفر عبر الزمن من الناحية العلمية؟  من الناحية الفيزيائية لم يثبت أن أحدا قوانين الفيزياء ترفض السفر عبر الزمن، من ناحية الذهاب إلى المسقبل فلا أقول أنه لم يثبت عدم إمكانه، بل أقول أنه ممكن ويحصل، أما من ناحية الماضي فالعلماء لازالوا يقترحون طرق علمية يمكن أن تطبق في المستقبل لو يصبح لدى البشر القدرة الغير محدودة على في التحكم في الأشياء، وقد يمكن تطوير آلة الزمن يوما ما في المستقبل أو قد لا يتمكن الإنسان من السيطرة على كل محيطه بالدرجة التي تؤهله لذلك.

حسب النظرية النسبية التي أسسها آينشتين فإن السفر إلى المستقبل ممكن، ويحدث في الطبيعة بشكل يومي، وقد تحدثت في حلقة النظرية النسبية الخاصة عن هذا الموضوع بالذات، ولا بأس أن أمر بشكل سريع على الموضوع، فلو أن فؤاد أراد أن يعرف ما يحدث على الأرض بعد 10,000 سنة ما عليه إلى أن يغادر الأرض بمركبته السريعة والتي تنطلق بسرعة 99.9999999996% من سرعة الضوء وينطلق لعشرة أيام مبتعدا عن الأرض ثم يعود لها سيجد نفسه في المستقبل، لن يكبر فؤاد سوى 10 أيام، ولكن سيكون قد مر على سكان الأرض 10,000 سنة، وهذا الشيء مذهل بصراحة، وكما يقول براين جرين في كتابه نسيج الكون أن هذه الشيء لم يدحض علميا وثبت تجريبيا، قد جرب العلماء هذه التجربة في الطائرة – طبعا مع فارق السرعة، فوجدوا أنه بعد إقلاع الطائرة وسفرها ثم نزولها على الأرض أن الساعة التي كانت على الطائرة تأخرت عن تلك التي على الأرض، ولو بشيء بسيط جدا جدا، وحتى في حالة الجسيمات المسماة بالميوون (Muon) هذه تنطلق بسرعات قريبة من سرعة الضوء، وحين وصولها يتضح للعلماء من التجارب أن الساعة الداخلية لهذه الجسيمات دقاتها أبطأ بالمقارنة مع ذاتها المتوقفة عن الحركة.

هذه طريقة، ولكنها في اتجاه واحد، وهو إلى المستقبل، وإذا ما وجد فؤاد نفسه في المستقبل فلربما أضطر أن يبقى هناك بلا رجعة، ولكن هناك طريقة أخرى لا تزال نظرية أو فرضية في طور التطوير، بهذه الطريقة يمكن الذهاب إلى الماضي، باستخدام الثقب الدودي Wormholes [11]Wormholes ، وهو نفق يوصل من مكان إلى مكان عن طريق غير موجود في ذلك المكان، فلو كنت تعيش مثلا على ورقة مسطحة من غير أن يكون هناك البعد الثالث وأردت الوصول من طرف الورقة إلى الطرف الآخر منها من غير اجتياز سطح الورقة بإمكانك أن تطوي الورقة، ثم تثقب الورقة المطوية، فسيكون عندك ثقب يوصلك من طرف إلى طرف آخرى غير موجود من ضمن الورقة المسطحة.

الزمن

حينها يكون هذا الثقب الرابط بين نقطتين في البعدين موجود في البعد الثالث، ولو أننا نتكلم عن الثقوب الدودية في الأبعاد الثلاث التي نعيشها لكانت موجودة في بعدا رابعا أو أكثر، هذه الثقوب تقرب المسافات، طبعا الثقوب الدودية لا تقرب المكان فقط، بل حتى الزمان، فالكون كما عرفنا من حلقة النظرية النسبية تندمج فيه خاصيتان، وهما الفضاء والوقت ليكونا شيئا واحدا اسمه الفضاوقت، طبعا إلى يمونا هذا لم يكتشف أي ثقب دودي في الكون، ولكن من الناحية النظرية وحسب نظرية آينشاتين العامة إمكانية أن تكون هناك ثقوب دودية واردة النظرية (وربما أكثر مسلسل خيالي استخدم فكرة الثقوب الدودية هو ستار ترك (Star Trek) وخصوصا للتنقل من فوهة الثقب إلى الفوهة الأخرى لقطع مسافات هائلة لا يمكن قطعها حتى بالسرعات الهائلة، أو للتنقل من الماضي إلى المستقبل أو من المستقبل إلى الماضي).

لصناعة آلة الزمن التي تسمح لنا بالتنقل من المستقبل إلى الماضي والعكس نستخدم الثقوب الدودية، تخيل أننا الآن في المستقبل البعيد، حيث يمكن للبشر من إنشاء هذه الثقوب بكل سهول، وفي ذلك العصر الذي لديه هذه القدرة الهائلة ستكون المركبات الفضائية شيء هين، لنفترض أن لميس أرادت السفر لحضور حلفة زفاف أختها فداء في المجرة آندروميدا، فتركت صديقتها عفاف تعمل في المعمل ووعدتها بأنها ستأتي لها بأغرب أنواع الكعك من هناك، وحتى تبقى لميس على اتصال بصاحبتها عفاف اتفقتا على أن يفتحا ثقبا دوديا تكون فوهة أحدهما في المركبة والأخرى في المعمل، فانطلقت لميس بمركبتها السريعة بسرعة قريبة جدا من سرعة الضوء، وحضرت حفل زفاف أختها، ثم انطلقت مرة أخرى راجعة بالكعك الشهير لشركة الكوكباني، وفي اثناء الرحلة تحدثت مع صاحبتها عفاف عن الحفل عبر الثقب الدودي، حيث كان لبس العروس مرصعا بجواهر من كوكب راضين حيث أغلى وأجمل الجواهر، والقماش من كوكب خرتمين، قماش أنعم من الحرير وأخف من ريش صغار البجع.

حتى إذا ما وصلت المركبة إلى الأرض ونظرت لميس خارج النافذة رأت أن المباني التي ركنت عندها تختلف باتا عن مباني المعمل التي تعمل فيها عفاف، فأخبرت صديقتها عفاف عن ذلك، فردت عليها عفاف أنها وحسب حساباتها النسبية أنها في المستقبل ربما 1000,000 سنة، وذلك بسبب النظرية النسبية الخاصة، وخصوصا أنها كانت منطلقة بسرعة هائلة للتوجه للمجرة آندروميدا وللرجوع مرة أخرى، عندها دخلت لميس إلى داخل الثقب الدودي، ورجعت مليون سنة إلى الوراء إلى زمن صاحبتها عفاف، واستمتعتا بالكعك وتبدال القصص.

طبعا بناء ثقب دودي ليس بهذه البساطة، وحتى العلماء ليست لديهم فكرة عن كيفية بناء هذا النوع من الثقوب، وحتى من الناحية النظرية حاليا لا يمكن للثقب الدودي أن يكون مستقرا وأن لا ينهار، عموما ما يهمنا في هذا الموضوع أن الثقب الدودي يرجعك إلى الماضي فقط إلى النقطة التي فتحت فيها ذلك الثقب، ولكن لا يمكن العودة إلى ما قبل ذلك. قد يعني ذلك أن آلات الزمن التي اخترعها المستقبليين لا يمكنهم استخدامها للرجوع إلى الماضي إلى نقطة ابعد من تلك التي تم اختراع آلة الزمن فيها.

مع ذلك وكما بينت أن السفر عبر الزمن لا تناقضه النظريات الحالية، حتى قبل نقطة اختراع آلة الزمن، لذلك ستيفن هوكنج يسأل ويقول إذا كان السفر إلى الماضي ممكنا، إذن أين هم إذن المسافرين من المستقبل؟

المسافر الزمني

في سنة 2000 ظهر على الإنترنت شخصا سمى نفسه Timetravel_0 في بداية كتاباته،  وبعد ذلك كشف عن أن اسمه هو جون تيتور (John Titor)، ادعى هذا الشخص أنه أت من المستقبل وبالخصوص من السنة 2036، وأن شركة جي إي هي التي صممت آلة الزمن هذه، وتناقلت هذه القصة العديد من المواقع وأولتها اهتماما كبيرا لما فيها من تنبؤات مستقبلية ومعلومات عن الماضي لا يعرفها إلا القليل من الناس. بدأ بإدراج مواضيعه على منتدى يتكلم فيها عما تحتاج آلة الزمن لكي تعمل، ثم أجاب عن كيفية عمل هذه الآلة، بعد ذلك سمى نفسه بـ Timetravel_0، وبدأ بكتابة مواضيع عن المستقبل الذي يعيش فيه في سنة 2036، ثم بدأ بالإجابة عن الأسئلة، وأضاف لذلك بعض التنبؤات عما سيحدث في المستقبل القريب، ثم بعد ذلك صرح بإسمه جون تيتور في سنة 2001، وأخبر الناس أنه سيرجع إلى زمانه، وانتهى إدراجه للمواضيع في شهر مارس 2001، ومن ضمن ما قاله أنه رجع إلى سنة 1975 لإحضار كمبيوتر IBM 5100 والرجوع به إلى المستقبل، لحاجة ذلك الوقت لإصلاح شيء معين، ثم أتى لسنة 2000 لأمور شخصية منها لتجميع بعض الصور المتعلقة بحرب قادمة ولزيارة أهله، وأنذر عن وقوع مرض اسمه Creutzfeld-Jakob Disease والذي سينتقل عبر لحوم البقر، وعن حرب أهلية في أمريكا سنة 2005.

طبعا لم يتحقق الكثير مما قاله، ولكن حسب نظرية العوالم الكثيرة، قد يكون أنه حينما انتقل إلى الماضي أتى إلى عالم آخر، وتنبؤاته لن تكون مطابقة لعالمنا 100%، وكانت هناك الكثير من الأخطاء في وصفه لآلة الزمن حيث أن فيها تناقضات كثيرة مع العلم الحالي. إذن لا نستطيع أن نصدق قصص مثل هذه، حال هذه القصص كحال الفضائيين من كواكب أخرى الذين يزورون الأرض بمركباتهم الفضائية، لا دليل على وجودها.

المستقبل الآن

ربما تلاحظ من الكلام الذي تكلمت فيه إلى الآن أنني أتكلم عن المستقبل وكأنه موجود، حينما يقول العلماء أن مسافرا يأتي من المستقبل قد يشغل عندك تصريح مثل هذا أجهزة الإنذار في رأسك، فكيف لأحد أن يأتي من المستقبل والمستقبل لم يحدث بعد؟ إذا صنعنا اليوم آلة الزمن بإمكاننا الذهاب إلى الماضي، ولكن المستقبل غير موجود، فكيف لأحد أن يأتي منه؟

لنفهم أولا ماذا نعني بـ”الآن”، صراحة، هل فكرت بماذا تعني كلمة الآن؟ لو فرضنا أننا سنقوم بحفظ لقطة ذكرياتيه في ذهنك لهذه اللحظة تجمع فيها صورا من مختلف أنحاء العالم الذي تعيش فيه والكون ككل، لنتصور بعض الصور، لنصور تلك الصورة، أنت تقود سيارتك في ليلة هادئة، صديقك بجانبك، إضاءات الشارع تنير الطريق، البدر يملأ انعكاس نوره السماء، والشمس من خلف الكرة الأرضية تسقط أشعة نورها على القمر، النجوم تثقب الستار الأسود للسماء، كل هذه صورة اللحظة، إنها الآن، صورة في الساعة 8:34:21 مساءا بالضبط، ليس قبل ذلك ولا بعد.

لنتفحص هذه الصورة قليلا، صديقة بجانبك، حتى تراه بعينك في تلك اللحظة انعكست منه الأنوار وانطلقت منه إلى عينك، فأستغرق الضوء في مسيرته جزءا صغيرا جدا جدا من الثانية، وكذلك إضاءات الشارع، أخذت وقتا أطول للوصول لعينك، وإن كانت لا تزال يسيرة جدا، ماذا عن القمر، استغرق الضوء ثانية ونصف من انطللاقه منه إلى عينك، ربما بدأت الصورة تتضح، ما تراه الآن في الواقع هو ليس الآن، ما اللحظة الحالية التي تراها للقمر إلا حدثا تكون قبل ثانية ونصف، والشمس كذلك، ضوءها يخبرنا عما حدث لها قبل ثمان دقائق، والنجوم، بعضها بعيدا كل البعد، فمثلا ألفا ساتوري إي وبي (Alpha Centauri A & B) يبعدان عنا 4.243 سنة ضوئية، أي أن ما تراه اليوم عمره 4.243 سنة، بعبارة أخرى أن ما تراه الآن قد حدث في الماضي، إذن ما هو الآن؟ هل هو فعلا الآن؟ لا طبعا، الآن يعتبر خليط من صور من الماضي.

لو أننا وضعنا كل صورة من صور الآن فوق بعضها البعض (أي نكدسها فوق بعضها) بحيث أن كل صورة تعبر عن تسلسها الزمني الأقدم ابتداءا من الأسفل لكانت النجوم في الصورة الأخيرة “الآنها” ترجع إلى صور في الأسفل، طبعا أنت تضيف إلى هذه الصور صور جديدة كلما تقدم الوقت، ولكن لن تكون عندك صور للمستقبل، أي أن نهاية هذه الصور ستكون عند اللحظة التي تعيش فيها الآن، صحيح؟ غير صحيح، سنرى الآن أن هذه الصور موجودة، ومكدسة فوق بعضها البعض، سواء أكانت تعبر عن الماضي أو المستقبل، كل ما هنالك أنك تستلم صورة الآن الآن، ثم ترجعها إلى مكانها لتستلم الآن التي بعدها.

لنفترض أنك صديقك الذي في السيارة قرر السفر في مركبة فضائية سريعة جدا، وانطلق فيها، نحن نعلم من النظرية النسبية أن الوقت بالنسبة له سيتباطأ بينما أنت تتقدم سريعا، أليس كذلك، فصحيح أن الوقت بالنسبة لك طبيعي، ولكن صديقك يرى غير ذلك، فعدة دقائق من وقته قد تعادل ملايين السنين بالنسبة لك ولغيرك على الأرض، يعني ذلك أن صديقك يرى مجموعة من الصور أكثر بكثير في فترة زمنية قصيرة بالنسبة له، ذلك يعني أن صور المستقبل موجودة فعليا؟ وإن كنت لم تستلمها بعد على الأرض، ولكن بالنسبة لصديقك المسافر، مستقبلك موجود في ظرف مجموعة من الدقائق، ما يحدث هو أنك تستلم صورة لتلك اللحظة ثم تسترد منك لتستبدل بأخرى جديدة موجودة من بين الصور الأخرى.

حينما قابل رودولف كارناب (Rudolf Carnap) آينشتين ذكر: “قال آينشتين أن مشكلة الآن أقلقته بشكل جاد، وبين أن تجربة الآن تعني شيئا مهما للإنسان، وهو شيء يختلف اختلاف أساسي عن الماضي والمستقبل، ولكن هذا الفرق المهم لا يحدث ولا يمكن أن يحدث في الفيزياء، أن هذه التجربة لا يمكن لها أن تحاط علميا، هذه كانت بالنسبة له (لأينشتين) مسألة مؤلمة ولكنها استقالة لا مفر منها.”

ما نشعر به أن الوقت يمر ويتدفق  هو شيء مرتبط بأحاسيسنا، ولا وجود له بالفيزياء، لذلك المستقبل موجود فيزيائيا، وإن كنا لا نحس بوجوده إلا لحظة بلحظة.

أعتمدت بشكل أساسي في أمثلتي وشروحاتي كتاب نسيج الكون لبراين جرين، بإلإضافة إلى مواقع أخرى متفرقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى