الأصدقاء
الكثير من الكتب تكتب حول الصداقة وتكوين الأصدقاء، وربما الكثير منها يعتمد على التجربة الذاتية أو الشخصية، وربما أشهر كتاب في هذا المجال هو كتاب “كيف تربح الأصدقاء وتؤثر فيهم” How to Win Friend and Influence People [1]How to Win Friend and Influence People ، وهو كتاب شهير جدا، ومن أكثر الكتب مبيعا، كتبه الكاتب ديل كارنيجي (Dale Carnegie)، ومنذ أن نشر هذا الكتاب في سنة 1937 وقد بيع منه 15 مليون نسخة بترجمات مختلفة لكثير من الدول حول العالم، وفي الكتاب هذا يتطرق الكاتب لعدة نقاط لكيفية التعامل مع الناس وأخرى لتحبيب الآخرين لنفسك، وغيرها من تقريب الناس لرأيك، ثم التأثير عليهم من غير إكراههم. كتاب رائع في تكوين الصداقات، ولكن ما هو تأثير الصداقات بعد تكوينها؟ وما هو عدد الأصدقاء الحميمين الذين يمكنك تكونيهم، وكم هو العدد الكلي للأصدقاء الذين يمكنك فعليا الاتصال بهم ومعرفتهم؟ هذه أمور درست وكتبت بعض الأبحاث حولها، في هذه الحلقة سأتطرق لبعضها، ولضيق الوقت (خصوصا أن وقت الاختبار النهائي لحصولي على الدكتوراة قريب جدا) ستكون هذه الحلقة قصيرة.
لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!
ستة درجات من التباعد
نكتة تقول أن فتحي تقدم للعمل عند ميكانيكي، فأعطي عملا شاقا ومزريا، فقال فتحي للميكانيكي: “هل من المعقول أن تعطيني هذا النوع من العمل المزري الشاق وأنا أعرف وكيل الورازة”، فرد عليه الميكانيكي مستغربا: “أنت؟ كيف لك أن تعرف وكيل الوزارة؟” فرد عليه: “طيب غدا سأمر عند الورشة مع الوكيل”، فإذا به في اليوم التالي يمر عند الورشة مع الوكيل ضاحكا معه وكأنه صديق قديم، فاستغرب الميكانيكي وقال له: “لا أصدق عيناني، كيف لك أن تعرف هذه الشخصية؟”، رد عليه فتحي: “هذا لا شيء، أنا أعرف الوزير.” لم يصدق الميكانيكي ما قاله، فوعده فتحي بالمرور في اليوم التالي مع الوزير، وفعلا في اليوم التالي مر فتحي مع الوزير وهما يضحكان مع بعض ويتصفحان بحرارة، فاستغرب الميكانيكي، ولم يصدق ما رأي، فقال له فتحتي: “هذا لا يعتبر شيئا، فأنا أعرف أوباما شخصيا”، فلم يصدقه الميكانيكة وحجز له تذكرة على حسابه حتى يثبت له هذا الشيء، فذهب الإثنان إلى واشنطن دي سي، فقال له فتحتي: “أنت انتظر هنا، وسأدخل البيت الأبيض، وسأخرج مع أوباما في حديقة البيت الأبيض وأسلم عليك من بعيد” فدخل فتحي للبيت الأبيض، وإذا به يخرج إلى الحديقة، ملوحا بيده من بعيد، فأغمي على الميكانيكي، فتوجه فتحي مسرعا للميكانيكي، وأفاقه، وقال له: “ما الذي حدث، هل من المعقول أن يغمى عليك لمجرد أنني أعرف أوباما؟”، فرد عليه: “أن أحدهم مرة بجانبي وسألني من هذا الذي يقف بجانب فتحي؟”
السؤال هو هل من الممكن أن تصل أنت شخصيا إلى أي شخص في العالم من خلال علاقاتك؟ حسب دراسة علمية يمكنك ذلك فعلا، فأنت تستطيع الوصول إلى أي شخص في العالم بمعدل 6 أشخاص متصلين ببعضهم البعض، وتسمى هذه الفكرة بـ “ستة درجات من التباعد”، في دراسة تسمى بتجربة العالم الصغير قام ستانلي ميلغرم (Stanley Milgram) بدراسة معدل طول المسار في العلاقات الشبكية الاجتماعية للناس في الولايات المتحدة الأمريكية، وبينت الدارسة أن العالم صغير، والتجربة التي استدل بها على هذه الفكرة كانت عن طريق الوصول من شخص إلى آخر في ولايتين مختلفتين بعيدتين عن بعضهما البعض، فأرسل رسائل في ولاية، وطلب من المشاركين أن يرسلوا الرسالة إلى شخص آخر قد يعرف الطرف الأخير في البحث، فإما أن يكون الشخص الذي أرسلت له الرسالة يعرف الشخص النهائي فيبعث له الرسالة مباشرة أو أنه يعرف شخصا آخر يعتقد أنه يعرف الشخص النهائي، فيرسل له الرسالة لتتابع طريقها إلى النهاية، وطلب من كل شخص قبل أن يرسلها للشخص الآخر أن يكتب اسمه عليها، في النهاية ستكون هناك قائمة بأسماء الأشخاص الذين تم ابتعاث الرسالة لهم إلى أن وصلت للشخص النهائي.
الغريب في التجربة أن الكثير من الرسائل وصلت إلى النهاية في خلال قفزة من شخص أو شخصين، وبعضها وصل إلى تسعة أو عشرة أشخاص، والمعدل هو أنك تحتاج إلى 6 أشخاص للوصول من أي شخص إلى أي شخص في العالم، وبعدها سميت هذه الفكرة بـ “ستة درجات من التباعد” (وإن لم يسمها بهذا الإسم مليغرام شخصيا)، وبعدها تمت دارسات أخرى بنفس النمط لتثبت هذا الشيء، وأقيمت نفس الدراسة هذه ولكن هذه المرة من خلال الإيميل، ومن هذه الدراسة استدل الباحثين على أن درجة التباعة بين أي شخصين هي بمعدل 5 (أو 6) درجات، وتمت هذه الدراسة على الميكروسوفت مسنجر بين 240 مليون شخص من خلال و30 مليار رسالة اكتشف الباحثين أن درجة التباعد كانت 7 أشخاص تقريبا، وحتى على التويتر هناك دارسة من شركة سيسوموس (Sysomos) تقول أن معدل التباعد بين شخصين هي خمسة درجات تقريبا.
ما يهمنا من هذا الموضوع أن العالم صغير، وأن من خلال صديق صديق صديق صديق صديقك يمكنك الوصول إلى أي شخص آخر مهما كان، لذلك حينما تبحث عن واسطة كما يحدث في الكثير من الدول فأنت لا تبعد شخصيا عن الشخص الذي من الممكن تتوسط لديه بسوى عدد بسيط من الناس. وحينما يقول لك شخص أن أعرف فلانا، فلا أرجو أن لا يغشى عليك، فأنت تستطيع أن تصل إليه بنفس السهولة.
درجة التأثير
السؤال هو إذا كنا مرتبطين مع الآخرين بستة درجات من التباعد، ما هو تأثيرنا على الناس؟ هناك دراسات تقول أن الصديق يؤثر على صحتك، فبالإمكان أن تتأثر به بحيث إذا كان زائدا في الوزن فإن يزداد وزنك، وإذا كان مريضا بطبيعة الحال من الممكن أن تنشتر العدوى منه إليك، وحتى أن وجود عنصر الصداقة في حياتك يؤثر إيجابا في حياتك بحيث يطيل من عمرك، ولكن إلى أي بعد تستطيع التأثير على الأصدقاء؟ نجد الإجابة على هذا السؤال في كتاب (Connected) أو متصل للكاتبان نكولاس كريستاكيس (Nicholas Kristakis) وجيمس فاولر (James Folwer)، حيث أنهما يشيران إلى أن إذا كان صديق صديق صديقك سعيدا فستصبح أنت سعيدا، وأن علاقة التأثير هذه تمتد إلى 3 درجات من التأثير، وهذه التأثيرات تبدأ من السلوك إلى المشاعر إلى التصرفات وللآراء والوزن أو الاحساس بالوحدة والسعادة، ولكن تأثيرها ليس بذلك البعد (ثلاث درجات فقط)، ولكن وإن كانت غير بعيدة ذلك لا يعني أن دائرة تأثيرك صغيرة، فمثلا أنت حينما يكون لك 20 صديق، وكل صديق لديه 20 صديق آخر، وكل من أولئك لديه 20 آخرين، ذلك يعني أن قدرتك على التأثير تصل إلى 8000 شخص، وهذا الرقم هائل.
ولكن درجة هذه التأثير تقل تدريجيا بالانتقال من درجة إلى درجة أخرى، فمثلا لو أنك كنت سعيدا فستكون درجة تأثر صديقك بمقدار 15%، وستكون درجة تأثر صديق صديقك بسعادتك هو 10%، وسيتأثر صديق صديق صديقك بمقدار 6%، وبعد ذلك تختفي قدرة التأثير هذه بشكل كبير، بحيث لا يبقى لها أثرا.
بالخصوص بالنسبة لزيادة الوزن هناك دراسة تقول أنه إن كان أحد أصدقائك زائدا في الوزن فإن احتمال زيادة وزنك شخصيا هي 57% [2]Obesity may be contagious ، وتبين هذه الدراسة أننا نقلد بغير وعي الآخرين وتنبنى عاداتهم، وخصوصا أولئك الذين نضع لهم اعتبارا خاصا، والملاحظة الطريفة في هذا الموضوع أنه لو شخصان – نبيل وسمير – سؤلا عن علاقتهما مع بعضهما البعض، فلو اعتبر الإثنين أنهما أصدقاء فإن درجة تأثر نبيل بوزن سمير كبيرة، ولكن لو أن سمير البدين اعتبر أن نبيل صديقه، ولم يعتبر نبيل أن سمير صديقه فإن درجة تأثر نبيل بوزن سمير أقل بكثير.
عدد الصداقات التي يمكنك تكونيها
أنت اليوم لديك عدد كبير من الأصدقاء، وخصوصا مع الإنترنت الذي يوفر لك شبكات الصداقة مثل الفيس بوك أو أوركوت أو تويتر أو ماي سيبيس أو ما أشبه، كل هذه الشبكات توفر لك قاعدة من الأصدقاء هائلة، فيكفي أن هناك 400 مليون مشترك في الفيس بوك، وأن 50% من المشتركين يدخلون إلى الفيس بوك يوميا وذلك حسب إحصائيات الفيس بوك، ومعدل عدد الأصدقاء لكل شخص أو المتوسط الحسابي هو 130 شخص، ويقضي المشتركين أجمالا 500 مليار دقيقة شهريا على الفيس بوك، السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو كم عدد الأشخاص الذين تستطيع الإرتباط بهم فعليا؟ وهنا لا أتكلم عن عدد الأصدقاء الحميمين، بل عدد الأشخاص الذين بإمكانك الحفاظ على علاقة اجتماعية معهم، بحيث تعرف كل شخص، وتعرف علاقة كل شخص مع الآخر.
الرقم التقريبي هو 150 شخصا كحد أقصى، ويسمى هذا الرقم برقم دانبار Dunbar Number [3]Dunbar Number ، وقد اقترح هذا الرقم عالم الأنثروبولجي البريطاني روبن دانبار (Robin Dunbar)، وبين أن هذا العدد محدود بهذه الكمية بسبب ارتباطه الوثيق بحجم القشرة الدماغية (Neocortex)، وهذا الرقم يشمل حتى الأصدقاء القدامى الذين تود أن ترجع لعلاقة معهم في حال لو قابلتهم في المستقبل، وكنت أتحدث مع طالب دكتوراة بريطاني معي في الكلية، وأخبرني أن هذا الرقم يشتمل ايضا على الشخصيات الخيالية أو حتى الممثلين الذين تعرفهم من خلال القصص الخيالية أو الأفلام، فمثلا لو أنك تعرف سبيادر مان، وأو باتمان أو ما أشبه، ذلك يعني أن هذه السخصيات تعد من الـ 150 شخصا (لا أدري مدى صحة هذا الكلام، ولكن أعرف أن صديقي البريطاني مطلع بشكل كبير، ولربما كان كلامه صحيحا)، ولو تلاحظ أنني قلت أن المتوسط الحسابي لعدد الأصدقاء على الفيس بوك هو 130 شخصا، ذلك لا يعني أنك أنت لديك هذا العدد من الأصحاب، فقد يكون لديك عدد أكبر أو أقل، ولكن المتوسط هو 130 شخصا.
طيب هل يعني ذلك لو أن عندك عدد أكبر من الأصدقاء أنك لا تعرفهم ولا ترتبط بهم؟ حسب هذه الدراسة نعم، إسأل نفسك إذا كنت متصلا بعدد كبير من الأصدقاء كم منهم أن تعرفهم وترتبط معهم بعلاقة اجتماعية؟ فربما تحتاج أن تراجع أصدقاؤك على دليل التلفون الذي تحتفظ به أو على موقع الفيس بوك أو غيره لترى إن كنت ستلغي أحدا منهم لا ترتبط به بشكل.
عند هذه النقطة سأتوقف، وسأترك مواضيع أخرى متفرقة عن الأصدقاء (مثل الشائعات) وغيرها إلى المستقبل.
المستجدات العلمية التكنولوجية
+ في الخبر الأول والمذهل الذي تم نشره في مجلة الساينس (Science Magazine)، والذي يعتبره الكثير ثورة علمية هائلة أنه تم إنتاج (أو خلق) بكتيريا في المختبر [4]Synthetic life breakthrough could be worth over a trillion dollars (الخبر بالعربية)، والخبر هذا انتشر بين وكالات الأنباء انتشار مذهل، وقامت الكثير من وكالات الأنباء من مقابلة العالم الجيني كريج فنتر (Graig Venter) للتحدث في هذا الموضوع، ربما لهذا الموضوع عدة جوانب نتكلم عنها في هذه الحلقة، الجانب الأول والأهم بالنسبة لنا هو العلمي، والجانب الثاني هو الجانب الأخلاقي، والجانب الأخير هو الجانب المستقبلي لهذه التطور الهائل.
موضوع خلق الخلية هذه يختلف عن باقي المواضيع السابقة فالموضوع ليس موضوع استنساخ، إنما هو شيء أكبر من هذا بكثير، فبعد عمل استمر حوالي 15 سنة قام كريج فنتر بتركيب دي إن إي من الصفر، وما هو مذهل هو الكيفية التي ركب بها الدي إن إي، فقد قام بتركيبها باستخدام أربعة أشياء وهي: كمبيوتر وميكروبات ومؤلف أو مركب جيني وأربع قناني من المواد الكيميائية، فقام بتركيب الجنيات التي تم تأليف حروفها أو شفرتها في المختبر باستخدام الكمبيوتر، طول هذا الكروموسوم 1,000,000 حرفا، ثم ركبت أجزاؤها وتم تجميعها باستخدام الخميرة لتكوين دي إن إي صناعي متكامل، ثم أخذت هذه الكروموسومات من الخميرة وتم رزعها في خلية ونبضت هذه الخلية بالحياة كما لو أنك قمت بتشغيل السيارة بالمفتاح، وبدأت الخلية بالتكاثر مليار مرة.
والطريف في الخبر أن حتى يتم التأكد من أنه الخلية التي أتنجت لم تكن ملوثة بجنيات أخرى ليست بالتي ركبها العالماء قاموا بعمل شيء مذهل، وهو أنهم أضافوا دليل أو إشارة في الجين المركب تدلهم عليه، وهذا الدليل هو أنهم أدخلوا تشفير للرسالة التالية: “To live, to err, to fall, to triumph, to recreate life out or life” لجيمس جويس الشاعر الكاتب الأيرلندي، والمعنى لهذه الكلمات هو “لتعيش، لتخطئ، لتنتصر، لتخلق حياة من حياة”، وهذه الشفرة وجدوها في الخلايا الجديدة التي تكاثرت بها الخلايا المصنعة، وإمكانية أن تكون هذه الشفرة موجودة في الخلية طبيعيا هو شبه مستحيل، وبهذا ضمنوا أن تكون هذه الخلايا الجديدة غير ملوثة بدي إن إي مختلف، وقال فينتر: “من المذهل حنيما تستبدل البرنامج الدي إن إي في الخلية، فالخلية تبدأ مباشرة بقراءة هذا البرنامج الجديد، ويقوم بإنتاج مجموعة كاملة من البروتينات، في فترة زمنية قصيرة جميع صفات الفصيلة الأولى تختفي، وتظهر فصيلة جديدة”، سميت هذه الخلية الجديدة بـ “سنثيا” Synthia، وذلك اشتقاقا من كلمة synthetic أو مصنع، ويقول الدكتور كريج فنتر: “هذه أو فصيلة متكاثرة ذاتيا على الأرض والتي أبوها كمبيوتر”
أما من الناحية المستقبلية، بهذه الطريقة يمكنهم أدخال أي تعديل جيني يريدونه على أي خلية في المستقبل، أو حتى إنشاء شيء جديد بالمرة، طبعا لا تزال الخطوات في بدياتها، ولكن هناك متسع هائل للإبداع في المخلوقات، الفكرة تأتي من أنه بما أن الدي إن إي هو البرنامج الذي تأتمر به الخلايا، إذن يمكن للخلية أن تبرمج بحيث يمكن أن تقوم هذه الخلايا بوضائف معينة، فمن هذه الوضائف المباشرة التي يمكن الاستفادة بها من البكتيريا هي إنتاج الوقود، وحتى في الأدوية يمكنهم تسريع عملية انتاج المضادات الحيوية، أو بإمكانهم تطوير البكتيريا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون والقضاء على مشكلة الاحتباس الحراري، وغيرها من الأمور.
ولكن من الممكن أن تستغل هذه الأداة لتطوير بكتيريا ضارة وبالإمكان استخدامها في الحروب، أو بالإمكان تصنيع نوع من أنواع البكتيريا ثم إطلاقها في الأجواء قبل أن تعرف كيفية عملها بالكامل، فلربما تتطور بطريقة غير متوقعة، وتتسبب هذه البكتيريا الجديدة بأوبئة حول العالم، فلذلك يمكن أن يطلق العلماء هذه البكتيريا للقضاء على التلوث وخلق تلوث جديد، هناك مشكلة أخلاقية في قضية تطوير هذا النوع من الخلايا، ولكن الدكتور فنتر قام مسبقا وخصوصا في بدايات عمله بطلب دراسات وتحقيقات في القضايا الأخلاقية لتغيير الدي إن إي، فحسب كلامه أنه طلب مراجعة أخلاقية شاملة على جميع الأصعدة إلى أن وصل إلى البيت الأبيض للتحقق من آثار طريقة عمله، وأدخل في الموضوع الأكاديمية الوطنية للعلوم، ولا يزال النقاش في الموضوع مفتوحا للجميع ليشاركوا بآرائهم حتى تتكون فكرة واضحة.
+ في الخبر الثاني الذي أثار استغرابي هو أن غسل اليد بالماء يؤثر على اتخاذ القرار ويمسح التناشز المعرفي [5]التناشز المعرفي وهو الشعور بالصراع الناجم من حمل رأيين متناقضين في نفس الوقت، حينما تكون لديك اختيارات فإنك تواجه صعوبات في الاختيار خصوصا إن كانت الاختيارات قريبة من بعضها البعض من ناحية الإيجابيات، فمثلا إذا اردت السفر إلى بريطانيا أو فرنسا، حينما تختار بريطانيا مثلا فإنك ستبرر لنفسك أسباب اختيارك لبريطانيا، وتقول لنفسك أن بريطاينا لديها تاريخ عريق وفيها متاحف، وبالرغم من وجود نفس المستوى من التاريخ في فرنسا، ولكن سترجح الكفة البريطاينة وتقول أن تاريخ فرنسا ليس بنفس جودة تاريخ بريطانيا، ما يحدث هو أن الشخص يبرر الاختيار بالتركيز على الصفات الإجابية لاختياره، ما بينته الدراسة التي قام بها الباحث سبايك لي (Spike Lee) في قسم سيكولوجيا الاجتماع من جامعة متشيجن في الولايات المتحدة الأمريكية أن حينما يقوم الشخص بغسل يديه فإنه يمسح هذه الحاجة لتبرير اختياره، بذلك يقوم بغسيل التناشز المعرفي.
الدراسة الأولى التي بينت هذا الشيء كانت تقوم على أن يختار مجموعة من المشاركين الـ 10 سيديات (CD) مفضلة لديهم، ثم بعد ذلك يطلب منهم اختيار خامس وسادس أفضل سيديين من العشرة المختارة، ومن هذين الاختيارين كان على شخص اختيار أفضل سي دي لديها، بعد ذلك طلب من نصف الأشخاص غسيل أيديهم بالصابون والماء، والنصف الآخر طلب منه أن ينظروا إلى قنينة الصابون من غير غسيل اليد (طبعا لا يعلم المشاركون الهدف الحقيقي لغسل اليد أو النظر إلى قنينة الصابون، قيل لهم أن الهدف هو إبداء رأيهم في منتوجات تنظيف)، بعد قيام كل مجموعة بمهمتها طلب منهم ترتيب السيديات مرة أخرى بناءا على مشاعرهم الحالية، اتضح من التجربة أن الأشخاص الذين غسلوا ايديهم لم يبدوا أي تحيز زائد للسي دي المختار، أما المجموعة الثانية فإنها أحبت السي دي المختار أكثر عن طريق تبرير الاختيار، فبينت الدراسة تأثير غسيل اليد على الحاجة إلى التبرير.
قد تتساءل ما إذا كان هذا له علاقة في الوضوء أو الغسل أو ما أشبه، فحسب كلام سبايك لي في مقابلة فإنه الدراسة هذه بدأت بهذه الفكرة، وهي ربط الغسل بالطهارة من الذنوب، فيبدو من الدراسة أن هناك رابط بين الإثنين، ولكن لابد من توضيح نقطة معينة لنكون على أكبر قدر من الدقة، وهو أن الدراسة تبين أن حتى مسح اليد بمناديل رطبة له نفس التأثير، ففي الدراسة نفسها قاموا العلماء بنفس التجربة على مشاركين في اختيار من أنواع من مربى الفاكهة، وأجريت التجرية بنفس الطريقة التي أجريت على السيديات، وبعد الاختيار قام بعض المشاركين بمسح أيديهم بمناديل رطبة، وبهذا مسح المشاركون تبريراتهم لاختيارهم نوع دون آخر من مربى الفاكهة.
ما بينته الدراسة أن هناك ربط بين الغسل المادي وإزالة الجراثيم من اليد والغسل المعنوي للحاجة للتبرير، وأنه بهذه الطريقة وبتقليل الحاجة للتبرير يمكن للشخص أن يتخذ قراره بشكل أفضل وبعقلانية أكثر.