SW008 الخفاش والعثة والصوتيات

هناك حرب تسلح بين الخفاش الفراشة (عثة في الحقيقة) ، وهذه الحرب هي حرب بقاء، التسلح خفي، ولكن كلا الخفاش الفراشة يعرفان تماما هذا السلاح، إنه سلاح الصوت، فالخفاش يستخدم الصوت لمعرفة مكان الفراشة لاصطيادها وأكلها.. والفراشة تقوم بالتشويش على هذا الصوت حتى تختفي من رادار الخفاش، شيء عجيب! البروفيسور وليام كونور (William Conner) يعمل في البيولوجيا في جامعة ويك فوريست (Wake Forest University) أجرى دراسات على علاقة الحرب الدائرة بين الخفاش والفراشة النمر. الخفاش يصدر صوتا عالي التردد أو فوق صوتية (لا يسمعها الإنسان)، فتنعكس من الأجسام المتحركة مثل الفراشة، ويحللها الخفاش كالرادار، وتسمى هذه العملية بالإيكو لوكيشن Echolocation ^[1]Echolocation أو تحديد الموقع بالصدى، فتبدأ هذه الأصوات ببطئ ثم تتسارع كلما اقترب الخفاش من الفراشة حتى يقترب الخفاش من الفراشة بما فيه الكفاية فيصطادها.

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

بعض أنواع الحشرات تتفادى الخفاش بإسقاط نفسها في الجو سقوطا حرا حينما يقترب الخفاش منها، فيفلت من قبضة الخفاش، ولكن الخفاش لديه حيلة أخرى تمكنه من التغلب على خفة الحركة هذه، وهي أنه يتلقف الحشرة أثناء سقوطها بذيله، فيفترشه ليصنع سلة من أسفل الحشرة  الهاوية ليلتقطها،  ويتشقلب إلى الخلف عدة مرات، من الممكن أن أصور هذا المنظر في الدشداشة (بالكويتي) أو الثوب (بالسعودي) أو الجلابية (بالمصري)، فلو أنك أردت التقاط شيء مقذوف ناحيتك تستطيع الإمساك بنهاية الثوب من الأسفل ورفعه لتكون جيبا، وفيسقط ذلك المقذوف في الجيب، هذه هي الفكرة ذاتها مع الخفاش وبعض الحشرات، ولكن هناك تقنية أفضل من ذلك وهي تقنية التشويش.

فالفراشة النمر حين سماعها لصوت الخفاش تطلق صوتا مضادا (فوق صوتي) هلعا بحيث تشوش على الخفاش الصوت الذي ينعكس إليه من الفراشة، بذلك لا يستطيع الخفاش تمييز مكان الفراشة، وعندها تتمكن الفراشة من الهروب، وقام البروفيسور بربط فراشة وتعليقها في الهواء، وسلب منها إمكانيتها لإصدار التشويش، فما كان من الخفاش إلا أن تمكن من صيد الفراشة وبكل سهولة في كل مرة، وحينما قام نفس العملية لم يستطع الخفاش اصطياد الفراشة حتى مرة واحدة، فكان يخطئ الهدف في كل مرة.

ما هو الصوت؟

الصوت عبارة عن موجة متحركة تتحرك في وسط سواء أكان صلبا أم سائلا أو غازيا، فالصوت ليس هو الموجة، ولكنه اهتزاز أو ذبذبة للوسط، ولكنه لا يتحرك في الفراغ، فبكل بساطة لا يوجد ما يتحرك عليه الصوت في الفراغ،  الكل يعرف تجربة الجرس حينما يوضع في الناقوس الزجاجي، فحينما يفرغ الناقوس من الهواء يختفي الصوت،

الصوت يتحرك في المواد بطريقتين، بشكل طولي (Longitudinal) وبشكل عرضي (Transverse)، هناك أشكال أخرى، ولكن لن أتعرض لها، ففي الهواء يتحرك الصوت بشكل طولي، فيعتمد على الضغط والخلخلة لجزيئات الهواء،  وفي الجوامد يتحرك بالطريقتين الطولية والعرضية (والتي هي مثل موجة البحر تقريبا، ربما الوصف ليس بالشكل الدقيق)، مثال على الحركة الطولية والخلخة مثل حركة الزنبرك (Spring)، حينما تسحب الزنبرك وتتركه تلاحظ كأنما هناك شيء يتحرك خلاله، الذي يتحرك ليس هو الزنبرك ذاته، وإنما هو التضاغطات فيه والتحلخلات التي فيه، ففي أماكن يكون النزبرك مضغوط، وفي وبين تلك الضغوطات تباعدات. بالنسبة للصوت فإن التضغاطات والتخلخلات تكون لجزيئات الهواء، فحينما تتكلم أن حنجرتك تضرب جزيئات الهواء التي أمامها، فتضرب الجزيئات هذه الجزيئات التي تليها والتي تليها للتي تليها، وهكذا، فيتحرك الصوت خلال هذه الجزئيات ليصل إلى سمع الغير.

الموجات الطولية

الموجة المستعرضة

تردد الصوت

حينما تكون التضغطات قريبة من بضعها فإن تردد الصوت يكون عالي، وحينما تكون بعيدة عن بضعها يكون التردد منخفض، تردد الصوت وحدته ليست لهما علاقة بعلو الصوت، أي أنه بالإمكان أن يكون التردد عاليا فيكون الصوت حادا وفي نفس الوقت يمكن رفع وخفض الصوت. وحدة هذا التردد هي الهرتز. لنأتي إلى ما هو مهم، وهو أن الإنسان يستطيع سماع الأصوات التي تترواح تردداتها بين 20 هرتز إلى 20000 هرتز، والكلب على سبيل المثال يستطيع سماع الترددات التي تقع بين 40 هيرتز و65000 هرتز، لذلك فيه تتضايق من الأصوات الحادة التي لا يسمعها الإنسان بأي شكل من الأشكال. والخفاش الذي تحدثنا عنه يطلق تلك الترددات التي لا يمكننا سمعاها وهي الفوق صوتيه وتصل إلى 100000 هرتز. والفيلة تتخاطب فيما بينها بالأصوات التحت صوتية Infrasound ^[2]Infrasound ، والتي أيضا لا يمكننا سمعاها.

هل شاهدت برنامجا عن قطيع من الفيلة في حالتها الطبيعية، ثم فجأة تتوقف هذه الفيلة لتستمع فجأة، وأحيانا تضع خرطومها على الأرض لالتقاط الأصوات الأرضية، طبعا نحن لا نستطيع سماع ما تستمع إليه، ولكنها قدرتها على سماع الأصوات التحت صوتية أوقفها عن الحركة، ونبهها للخطر، وللعلم فإن الفيلة باستخدام الترددات المنخفضة تستطيع التخاطب فيما بينها على بعد كيلومترات، فيمكن لقطيعين ينفصلان بعدة كيلومترات أن يتحركان بنفس الاتجاهات، ويتم تنظيم الحركة فيما بينهما عن طريق التخاطب فيما بينها بالصوت المنخفض التردد، وتستخدم الفيلة هذه الأصوات لجذب الأنثى للتزاوج.

قدرة الإنسان على سماع الأصوات ذي التردادات العالية تقل مع تقدم العمر، لذلك هناك أصوات يستطيع الشباب والشابات سماعها ولا يستطيع غيرهم سمعها. فاستخدمه المخترع هاوارد ستيبلتون (Haward Stapleton) هذه الفكرة لطرد المراهقين من حوالي المحال التجارية، حيث لا يمكن عادة للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الـ 30 عاما سمع هذه الأصوات بينما يتضايق منها المراهقين فيهروبون منها.  تستطيع زيارة موقع الإن بي آر (NPR) لسماع ذلك الصوت ^[3]Teens Turn ‘Repeller’ into Adult-Proof Ringtone

معرفة مكان الصوت

في عالم الحيوان ذكرنا أن الخفاش يستخدم الصوت لمعرفة مكان فريسته، ولكن هناك حيوان آخر يستخدم الصوت لمعرفة مكان فريسته وبطريقة تختلف عن المعتاد، ألا وهو العقرب Scorpion ^[4]Scorpion. تخيل معي الآن كيفية وقوف العقرب على الأرض، حينما يقف تلامس أرجله الأرض، وتكون نقاط التلامس على شكل دائري تقريبا، فإذا ما تحركت فريسته على الأرض فإنها ترسل موجات صوتيه خلال الأرض، فتلتقطها ارجله، لتصل الذبذات إلى رجل الأقرب للصوت قبل أخرى أبعد،  ويبدأ العقرب بالاستدارة لمعرفة الاتجاه الذي أتى منه الصوت، لم تنته القصة بعد، فبعد معرفة الاتجاه لابد من معرفة المسافة بينه وبين الفريسة حتى يستطيع الانقضاض عليها في مكانها، لمعرفة المسافة يتعامل العقرب مع الموجات السطحية، فعند حركة الفريسة تتولد الموجات السطحية بالإضافة إلى الإرضية، فيلتقطها العقرب عن طريق الشعيرات على ارجله، وبها يميز الفرق بين الوقت الذي تصل فيه الموجات الأرضية عن السطحية، وبذلك يحدد المسافة. للمزيد من المعلومات تستطيع قراءة التفاصيل العلمية في الورقة العلمية المنشورة في كمباراتيف فيسيولوجي (Comparative Physiology).

قد تستغرب من هذه المعلومة، ولكنها ليس فقط صحيحة بل يمكنني أن أبرهن لك هذه المعلومة من خلاك أنت شخصيا، فأنت حينما تسمتع للصوت تستطيع تمميز الاتجاه الذي يأتي منه الصوت، وستلاحظ إذا كان تمييز الاتجاه الذي صدر منه الصوت صعبا أنك ستبدأ بإدارة رأسك يمنة ويسرة حتى يمكنك معرفة الاتجاه. فأنت والعقرب والكثير من الحيوانات تشترك في هذه الخاصية. هناك طريقتان يتعرف بهما الإنسان اتجاه الصوت، ولكن لن أتطرق لهما في هذا البودكاست. وفي بودكاست آخر سأتطرق لاستخدامات الصوت في التكنولوجيا.

 المستجدات العلمية

+ استطاع العلماء إطالة عمر الفأر بمقدار 20% عن طريقة تعطيل جين المسؤول عن البروتين S6، حيث عاشت إناث الفأر 160 عن مثيلاتها التي لم ينقصها ذلك الجين، وفي نفس الوقت قاومت الفئران النوع الثاني من مرض السكر، وقل عندها هشاشة العظام، وقدرتها على الاتزان وقوتها تحسنت، وحتى مخها تحسن (حيث كانت الفئران فضولية أكثر)، هذه العملية والتي تم فيها إزالة هذا الجين تماثل عملية إبقاء الفأر على نظام غذائي قليل السعرات. هذه الدراسة تمت على الأنثيات من الفئران فقط، ونشرت في مجلة ساينس ^[5]Science.

+ بمسح المخ عن طريق الإف إم آر آي (fMRI) تمكن العلماء من معرفة الصورة التي تراها ^[6]Brain scans reveal what you’ve seen، يقول العالم جاك جالانت (Jack Gallan) من جامعة كاليفورنيا (University of California) أنه بالإمكان معرفة الصورة التي يراها الشخص من مجموعة صور كما لو أن تختار كرت من الكوتيشينة لتنظر إليه، بعدها الساحر يخبرك بأي كرت انت اخترت، ولكن الفرق أنه بالإمكان أن يكون هذا الشيء الذي تراه صورة أو أي شيء في الكون. والدراسة تمت على ثلاث أشخاص اختاروا صورا من بين 6 ملايين صورة واستطاع العلماء تمييز الصورة بعمل مسح لضخ للدم في المخ. ولكن عملية رسم ما يفكر فيها الشخص بعيدة كل البعد عن الوقت الحالي، وربما لن تكون هذه الإمكانية موجودة إلا بعد عشرات السنين. نشرت هذه الدراسة في مجلة نيورون (Neuron).

+ اكشتف العلماء كيفية معرفة الفراش الاتجاه الصحيح للهجرة ^[7]Antennae Key to Butterfly Navigation ، كان العلماء يعتقدون أن الفراش لديه إمكانية مثل الجي بي إس لمعرفة الطريقة، ولكنهم نشروا دراسة في مجلة السيانس (Science) تقول أن الفراشات تعتمد على قرون الاستشعار لمعرفة الاتجاه عن طريق الشمس، وللتأكد من ذلك قام العلماء بوضع الفراشات في فلايت سيميوليتر (Flight Simulator)، وهي الغرفة التي عادة تستخدم لتدريب الطيارين، فطارت الفراشات في الاتجاه الصحيح، ولكن حينما طلى العلماء قرونها بطلاء اسود أضاعت الفراشات الطريق، وحينما طلا العلماء القرون بطلاء شفاء تمكنت الفراشات من الاستدلال مرة أخرى للطريق الصحيح.