الموسيقى في العلم
المقدمة
حينما كنت صغيرا تعلمت العزف على الأكرديون، وكنت أعزف السلام الوطني في المدرسة، لا أتذكر السبب الذي دعاني لتعلم الموسيقى، ولكن أتذكر أنني كنت أستمتع بالعزف في الطابور المدرسي، لا أتذكر أيضا أنني كنت أعزف مقطوعات مختلفة، كل ما أتذكره أنني كنت أعزف السلام الوطني. ذلك كان في مراحل المتوسط.
في سنة 1987 حينما كان عمري حوالي 21 سنة ربحت أنا وصديقي المدالية الذهبية على العالم في برمجة الكمبيوتر في المعرض العالمي للعلوم في كيوبيك كندا، فكرمنا الشيخ جابر أمير الكويت رحمه الله في تلك السنة بـ 1000 دينار كويتي، أو ما يعادل 3000 دولار، تقاسمنا أنا وصديقي المبلغ بالتساوي.
انطلقت مباشرة لشراء بيانو، فاشتريت الموديل كاواي، ومن نوع الواقف upright، ليس ذلك البيانو الكبير المنحني الطرف الجميل، وفي الحقيقة أنا سعيد لأنني لم أشتر ذلك النوع من البيانوهات الجميلة الأكثر تكلفة بكثير، لما كان سيحدث له لاحقا.
لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!
نُقل البيانو إلى منزل والدي في غرفتي الخاصة، وبدأت بالعزف، فانطلقت أصوات النشاز. حيث لم تكن لدي القدرة على العزف بيدين اثنتين، فبدأت بالتعلم كالذي يطبع على لوحة مفاتيح بإصبعين. تعلمي كان بطيئا، ويداي لم تكونا متعاونتين.
زارني أحد الأصدقاء الأعزاء إلى منزلي، ونظر إلى عزفي بشفقة كاملة، فضحك، وقال لي أنه لن يكون بإمكاني أن أعزف بيدي الاثنتين، وقد يكون محقا، فلنتذكر أنني كنت أعزف على الأكورديون ولم يكن يحتاج إلا ليد واحدة للعزف على اللوحة، أما الأخرى فتستخدم لشفط أو دفع الهواء في بداخله، بقي هذا التحدي في ذهني يعصر قلبي: “أنا سأريك من لا يقدر على العزف.”
بدأت بالتدرب على مقطوعات باخ، كانت بسيطة، ولكنها كانت تفصل اليد اليمنى عن اليسرى في العزف، كنت أشعر وكأن كل يد تحتاج لمخ خاص بها، جلست على البيانو ساعات متواصلة من الصباح إلى الليل، حتى تمكنت من الأشياء البسيطة لباخ، بعد ذلك انتقلت لما هو أقوى منها وبين الحين والآخر أجد نفسي أنجرف خلف الموسيقار ريتشارد كليدرمان والمقطوعات الناعمة الرومانسية الحديثة.
مع الوقت تطور عزفي لأتمكن بما كان يتطلب مني جهدا أكبر، ولكن دفعت ثمن التدرب على الموسيقى لساعات طويلة، فمن شدة الإجهاد التي كنت أعرض يدي له كانتا تصلان إلى درجة التورم، ومع ذلك أضع الدهون عليها، ثم ألفها برباط ليلا قبل النوم، وفي صباح اليوم التالي أزيل الرباط، ثم أعود للعزف مرة أخرى، وذلك قبل أن أعطي يداي فرصة لتتحسن. في بعض الأحيان كانت أطراف أصابعي تدمي بين الجلد والأظافر من كثرة الطرق السريع على المفاتيح السوداء، هكذا كان شغفي في الموسيقى.
تطورت قدرتي على العزف إلى درجة أنني وصلت إلى عزف مقطوعات صعبة جدا، واحدة من تلك هي معزوفة La Campanella، للموسيقار فرانز ليزت (هي في الأصل لباغانيني، ولكن فرانز ليزت حولها من الكمان إلى البيانو)، هذه المقطوعة صعبة جدا جدا، توجه لتراها على اليوتيوب ستعرف مدى صعوبتها. لم أعزفها كلها، ولكنها كانت كافية لدعوة صديقي الذي ضحك مني ليرى عزفي.
دعوته إلى منزلي ذات يوم، وأريته عزفي لمقطوعات باخ، فانبهر أشد الانبهار، ومن شدة الصدمة، ولحبه لتمثيل شدة انبهاره وقع على ركبتيه، واعترف بتفوقي في العزف، بيني وبين نفسي كانت فكرة ربح الرهان تجول في خاطري، لقد ربحت رهانا من طرف واحد، رهان لم يطلع عليه أحد سواي، رهان كنت ضامنا فوزي فيه.
وفي يوم من الأيام، وبعد تعلمي لحصيلة من الموسيقى الكلاسيكية والرومانسية، جذبني أحد الأصدقاء المحترمين، شاب متدين، جذبني إلى الدين بأسلوب جذاب جدا، وأدخله في قلبي بطريقة دخول الموسيقى إليه، فاندمجت بكلي فيه. وكالعادة، حينما يتدين الشخص يبدأ بتغير أثاثه الفكري إلى أثاث مختلف تماما عما تعود عليه طيلة حياته، فيأتي المصمم ليخبرك أن كثيرا من الديكورات التي شكلت بها حياتك ليست في محلها الصحيح، لابد من التخلص من بعضها، وإدخال أثاث أخر بدلا منه، ولابد من إعادة تنظيم باقي الديكورات لتكون متناسبة مع الحياة الطيبة.
وهنا علمت أن إحدى هذه الديكورات الفكرية التي لابد أن أرميها خارج عقلي هي الموسيقى… الموسيقى حرام، وبالتتابع فسيكون العزف حرام، ولابد لي من التخلص من قطعة الأثاث الشيطانية: البيانو.
توقفت عن العزف، ولكن لا يزال البيانو الشيطاني في منزلنا، فدعوت جاري الصديق، وطلبت منه المساعدة في إخراج البيانو خارج المنزل، فأنزلناه من السلم. لقد كان ثقيلا جدا، لم نستطع أن نحمله دفعة واحدة، ولكنها كانت القوة الإيمانية في قلبي، فهي التي أمدتني بطاقة تحمل الكرة الأرضية، وهي التي ساعدتني في جره على دفعات، من الغرفة إلى السلم ثم إلى خارج البيت، مع التوقف بين الحين والآخر لمسح العرق من جبين الحياة الطيبة.
شارف البيانو على نهايته بعد أن أوصلناه إلى الممر بين منزلنا وبين منزل الجار، أخرجت المطرقة الكبيرة المخصصة للإطاحة بحيطان كونكريتية، ونزلت على البيانو الأسود اللامع بضربة شديدة وإذا به يتصدع، وانهلت عليه بضربة تلو الأخرى، حتى انكسر ذلك الخشب الجميل تحت ضغط ضربات المطرقة المتتالية بيد شبابية متدينة مندفعة، فبانت أحشاؤه الجميلة المكونة من الأسلاك بالظهور، كل واحدة من تلك الأسلاك كان مسؤولا عن تردد موسيقي معين، تلك الأسلاك الموسيقية كانت سببا في سعادتي يوما ما، ثم تعاستي بعد تديني.
لم أتنهي بعد، فتلك الأسلاك لابد أن تتقطع، أريد أن أضمن عدم عزف أحد باستخدام أي جزء من البيانو، وهكذا تحول البيانو من آلة جميلة ممتعة، إلى آلة شيطانية، بدأ جميلا، وانتهى بعد تكسيره قبيحا.
لم أعزف البيانو بعدها ولمدة 25 عاما.
أهمية الموسيقى
صلح خطأ الغرافين 1905 ورقة أينشتاين.
الموسيقى هي جزء لا يتجزأ من حياة البشر، فهي أشبه باللغة التي لا حروف لغوية فيها، ولا صورا مصورة، بدأت منذ القدم في تاريخ البشرية، وبقيت معنا إلى يومنا هذا بشكل أو بآخر، ومع تطور ذوق الإنسان بالموسيقى تطورت الآلات لتغير بالتالي المذاق الموسيقي، ازدهرت الموسيقى في العديد من دول العالم، وأصبحت رمزا لها ولتراثها، وهي التي تضفي هوية لكل دولة، وببحث سريع ستجد أن كل الدول لديها موسيقى وطنية. الموسيقى يتأثر بها الشخص الواحد، وتتأثر لها المجتمعات ككل.
حب الموسيقى والتأثر بها يبدأ من الصغر، الأم تنشد لطفلها لكي ينام، وحينما تصبح لديهم القدرة على الحركة بعد عدة أشهر، ستجدهم يحركون أجسادهم بتناغم مع الموسيقى، وستجدهم في حالة الانجذاب العاطفي لها.
الموسيقى ينجذب لها الجميع، ويستمع لها الغالبية العظمى من الناس بشكل أو بآخر، أحيانا يكون الاستماع من أجل الاستمتاع والتلذذ والطرف والهدوء، وأحيانا يكون الاستماع من أجل العلاج، في كلا الحالتين العواطف تنجرف مع الموسيقى. قد تكون مستقلة، عزفها وسماعها تكون باستقلالية تامة عن أي موضوع آخر، أي أن الموسيقى هي بحد ذاتها هي الموضوع، وقد تأتي الموسيقى كمكمل للصورة أو الصوت، فمثلا الكثير من البرامج الإذاعية والتلفزيونية تعتمد على الموسيقى كمؤثر صوتي يدعم الفكرة، كل ذلك بهدف تحريك المشاعر، فبتأثير الموسيقى تجد نفسك منجرفا إلى الحزن أو السعادة أو الغرابة أو الحذر أو الخوف أو الغضب أو الكراهية، وهكذا، الموسيقى لها ذلك التأثير على عواطف الناس، والدراسات واحدة تلو الأخرى تدل على ذلك بشكل لا مجال لردها.
قلة قليلة من البشر تحرم الموسيقى، ولكن حتى الذين يحرمونه، لا يحرمون كل أنواع الموسيقى، فحتى إن وصل تحريمه إلى أقصى حدوده سنجد أن التحريم قد لا يطال الموسيقى الكلاسيكية، أو الموسيقى التصويرية، أو الأناشيد، أو النعي بصوت موسيقي عذب، ولكن بشرط أن تكون الكلمات المنطوقة هي مقبولة لدى المُحرّم، حتى وإن ذهبنا إلى ابعد من ذلك، وحرمت الموسيقى والأناشيد وأي صورة من صور الموسيقى في عالمنا، فإن الصوت المتبقي هو صوت قارئ القرآن الذي لا يقرأه بقراءة اعتيادية، بل بأسلوب ذو لحن، وبطريقة جميلة جدا، وجذابة للسامعين، فتجد المستمع يفضل صوت عبد الباسط عبد الصمد بدلا من المنشاوي، أو عبد الرحمن السديس بدلا من مشاري العفاسي. فهو ينتقي الصوت الذي يستسيغه موسيقيا، وإن كان يدعي أنه لا يكترث لذلك.
الكثير من الناس لا يعلمون أن بعض الأناشيد التي تحتوي على آهات في خلفيتها، والتي يسمح بها بعض الفرق الدينية، ليست إلا عزفا لهذه الأصوات على آلة موسيقية يطلق عليه اسم سينثاسايزر Synthesizer أو من خلال الكمبيوتر، حيث يتم تسجيل صوت آهات ثم توزع على مفاتيح الآلة الموسيقية أوتوماتيكيا، ثم بعد ذلك تعزف الآلة أو الكمبيوتر بالنغم الموسيقي المطلوب، وبصوت آهات متدرج، وبهذه الطريقة من التحايل على التحريم يوصل الموسيقار موسيقاه الجميلة إلى المستمع الممنوع من سماع أنواعها الأخرى، وحتى إن لم تدخل هذه الأصوات على السينثاسايزر ستجد أن الآهات تدمج مع بعضها لتصبح خلفية أوركسترية للنشيد، مع القليل من قرع الطبول، كل ما عليك أن تفعله هو أن تتجه لليتوتيوب لترى أن الكثير من هذه الأناشيد الجميلة الحلال والتي سمعها ملايين الناس تحتوي على المكونات التي ذكرتها.
وكثير ممن ينشدون وباعترافهم سواء بالسر أو بالعلن، يقولون أنهم تعلموا النشيد أو القراءة بهذه الأصوات من الأغاني أو المغنيين، وأحيانا لو تركز قليلا (وكنت عارفا بالموسيقى والأغاني) ستجد أن بعض ما تستمع له من أولئك الأشخاص قد أقتبس من أغنية ما، وإن لم تجد أن صوت النشيد مقتبس من أغنية، فهذا يعتبر إبداعا موسيقيا خلاقا من أولئك الأشخاص، وهم ينهجون على قواعدهم الموسيقية الخاصة.
لا فرق بين أنواع الموسيقى بشكل عام، ولكن يأتي الفرق في التصنيف، فربما لن تكون كل الأصوات المقبولة دينيا تنتمي للتصنيفات العالمية من موسيقى كلاسيكية، أو كنتري، أو لاتيني، أو روك، أو غيرها، ولكن هي بلا أدنى شك صوت موسيقي يعمل على قواعد موسيقية ما، ويصنف بتصنيفه الخاص.
نتساءل، ما السبب الذي يجعل الموسيقى مهمة في حياة الإنسان إلى درجة أنه يعيد تعريفها بأي طريقة حتى يتمكن من استماعها حتى بعد تحريمها؟ وما السبب الذي يجعل الناس حتى في أقصى حدود التحريم تجد مخرجا لتأديتها أو سماعها؟ هل هناك سبب علمي لذلك؟
كشف العلماء باستخدام جهاز التصوير المقطعي بالاصدار البوزتروني أنه بالإضافة للعديد من المناطق التي تشتعل في المخ حين سماع الموسيقى فإن الجهاز النطاقي (Limbic System)، وأيضا البارات ليمبك (Paralimbic) يشتعلان، وهذه المناطق ترتبط بالشعور بالسعادة والبهجة، وبشكل عام هي المنطقة المسؤولة عن العاطفة، وأيضا عن المكافأة من حيث الإفرازات. من غير أن أمر على التفاصيل المتأثرة في هذه المناطق إلا أن الورقة العلمية التي نشرت في Proceedings Of National Academy of Sciences تدل على أن سماع الموسيقى يفرز مادة الدوبامين، وهي التي تفرز حينما نأكل أكلا طيبا، أو نمارس الجنس أو حتى في حالة تعاطي المخدرات. لذلك فإن الإنسان الذي يستمع للموسيقى، ويعود ليستمع لها مرة أخرى، فهو كما يعود للأكل الطيب أو الجنس أو حتى المخدرات، المخدرات لا تعتبر شيئا محمودا، ولكن الأكل الطيب والجنس بالتأكيد هما شيئان يتمنى الأنسان العودة لتذوقهما مرة أخرى.
تأثير موسيقى موزارت
نشرت مقالة سنة 1993 في مجلة نيتشر المرموقة عن تأثير موزارت على ذكاء الناس، فسارعت وكالات الأخبار بنشر الخبر الذي يدعي أن استماع الأطفال لموسيقى موزارت يزيد من ذكائهم، وتردد صدى هذه الأخبار بين مختلف أنواع وكالات الأخبار ابتداء من جريدة النيويورك تايمز سنة 1994 وانتهاء بالعالم بأسره بعد ذلك، وربما قد سمعت مثل هذه الأخبار سابقا، وبعد انتشارها مباشرة تلقفتها شركات الموسيقى، وبدأت بإنتاج مختلف أنواع السيديات بعزف موزرات وسوقت لها بقوة شديدة غير مسبوقة، وكانت كلها تأتي تحت عنوان “تأثير موزارت” The Mozart Effect. جرب بنفسك أن تكتب The Mozart Effect في أماوزن، وسترى كما هائلا من التسجيلات الموسيقية. ستجد على سبيل المثال:
1. موسيقى لتأثير موزارت، قو العقل.
2. تأثير موزارت: الوصول لطاقة الموسيقى لعلاج الجسيم، وتقوية العقل.
3. تأثير موزارت: موسيقى للأطفال.
4. تأثير موزارت: موسيقى للأطفال من اللعب إلى النوم.
5. تأثير موزارت للأطفال: إيقاض عقل طفلك، وصحته وابداعه مع الموسيقى.
آلاف التسجيلات والكتب كتبت حول الموضوع بسبب هذه الدراسة.
السؤال هو هل هناك شيء اسمه تأثير موزارت؟ الإجابة وبكل تأكيد، لا. ليس هناك أي تأثير من هذا النوع نهائيا، بل إن الدراسة لم تتعرض لتأثير موزارت على عقول الأطفال، ولم تذكر أنها ترفع من مستوى ذكائهم، ولا ابداعاتهم، ولا شيء من هذا، بل أن الدراسة كانت عن التأثير المؤقت لسماع موسيقى موزارت على رفع مستوى الشخص في اختبارات الآي كيو IQ، حيث قام العلماء بتشغيل الموسيقى لمدة 10 دقائق، لمجموعة من الناس، و10 دقائق من الأشرطة الهادئة غير الموسيقية لآخرين، و10 دقائق من الهدوء الكامل لمجموعة ثالثة، ولاحظ العلماء أن قدرات الأشخاص الذين استمعوا لموزارت كانت أعلى من المجموعتين الأخريين، وبحساب عدد النقاط فقد ارتفعت المجموعة في مستوى الآي كيو بقدر 9 نقاط عن غيرهم. وهذا التحسن هو في اختبارات المكانية spatial، ولم يدم التحسن أكثر من 10-15 دقيقة. هذه كانت الدراسة.
إذن، ما الذي حدث؟ الذي حدث أن الأخبار ضخمت البحث إلى أبعد بكثير من التأثير الحقيقي، فاستفادت منه شركات إنتاج الموسيقى. وكذلك انتشر اصطلاح “تأثير موزارت” بعد نشر كتاب بعنوان: “تأثير موزرات” سنة 1997. وذكر في هذا الكتاب تأثير موسيقى موزارت إلى ما هو أبعد من الدراسة التي نشرت في نيتشر، ولم يكن هناك أدلة كافية لإثبات ما جاء في تفاصيله، بل إن الكثير من الأبحاث التي أتت مباشرة بعد انتشار الدراسة الأولى بين تأكيد ونفي لصحة مزاعمها. ولكن أكثر الذي يعرفون بتأثير موزارت لا يعلمون بتلك النتائج، لأن الأخبار لم تنشرها.
تأثير العزف على المخ من تيد التعليمي
إذن تأثير الموسيقى من حيث السماع لا يتجاوز الاستمتاع بالموسيقى وإفراز الدوبامين في المخ، ولكن هناك تأثير آخر اكتشفه العلماء، وقد بين أن بدلا من السماع فإن عزف الآلة الموسيقية هو أمر مختلف تماما. حيث أن له تأثيرات عميقة في المخ، وتأثيرات كبيرة على ذكاء الشخص، وعلى ذاكرته، وعلى توقيته، وعلى خفة حركة يده، وأمور أخرى كلها تتجاوز التأثير البسيط التي دلت عليه دراسة سماع موسيقى موزارت لتبقى هذه التأثيرات مع الشخص مدى الحياة، وحتى سن الشيخوخة.
شاهدت لقطة من تيد التعليمي قد تكون شاملة لتأثير عزف الموسيقى على المخ، وقمت بترجمتها بالكامل، وهذا هو نصها.
هل تعلم أنه كلما يمسك العازفون آلاتهم الموسيقية تنطلق ألعاب نارية في أدمغتهم؟ سيبدون في مظهرهم الخارجي وكأنهم هادئون ومركزون حينما يقرأون الموسيقى ويقومون بالتدريب المطلوب، ولكن ستجد أن هناك حفلة في أدمغتهم، كيف نعلم ذلك؟
في العقد الماضي تقدم العلماء في معرفتهم لكيفية عمل المخ عن طريق مراقبته في نفس الوقت (الذي تنطلق فيه النشاطات)، وذلك عن طريق أجهزة الإف إم آر آي fMRI الرنين المغناطيسي الوظيفي، وكذلك عن طريق ماسح بي إي تي (PET Scanner) وهو تصوير مقطعي بالإصدار البوزيتروني.
حينما تُمسح أدمغة الأشخاص عن طريق هذه الأجهزة يجد العلماء أن كل واحدة من الوظائف التي يقوم بها الشخص مثل حل الرياضيات أو القراءة فإنه سيكون لها أماكن محددة في المخ، حيث يتكون لها نشاطا هناك، ولكن حينما أَسْمع العلماء الموسيقى للمتطوعين رأوا ألعابا نارية تنطلق في رؤوسهم، حيث أن أماكنا مختلفة اشتعلت في المخ في نفس الوقت، وذلك حينما كانوا يعالجون الموسيقى، فقد قاموا بتقسيم الصوت الموسيقي إلى لحن وإيقاع لفهمه، ثم دمجوا التقسيمات مع بعضها لتصبح تجربة شخصية موحدة. وكل هذا يحدث في جزء من الثانية بين أن نسمع الموسيقى وبين أن نبدأ بالنقر بأرجلنا.
ولكن حينما درس العلماء أدمغة عازفي الموسيقى بالمقارنة مع المستمعين لها، تحولت الإشارات في المخ من ألعاب نارية إلى يوبيل، وتبين أنه حينما نستمع للموسيقى يثار المخ بنشاطات كبيرة، ولكن عزف الموسيقى يجعل من المخ وكأنه يقوم برياضة متكاملة، لاحظ علماء الأعصاب أن أماكن متعددة منه اشتعلت، فقد عالج المخ عدة معلومات تزامنيا بطريقة معقدة وبتسلسل سريع جدا.
ولكن ما الذي يجعل الموسيقى تشعل المخ؟ البحوث في هذا المجال لا تزال ابتدائية، ولكن علماء الأعصاب لديهم فكرة جيدة عن الموضوع. فالعزف يُشغل كل منطقة في المخ وقت واحد، وخصوصا فيما يختص في منطقة الإبصار والسمع والحركة، وكما في الرياضة، فإن التدريب المنضبط والمنظم يقوي وظائف المخ، مما يساهم في استخدام هذه القوة لنشاطات أخرى.
الفرق الرئيسي بين سماع الموسيقى وعزفها هو أن العزف يتطلب وظائف حركية دقيقة، حيث يقوم جانبي المخ بالتحكم بها، العزف يدمج ما بين القدرات اللغوية والرياضية الدقيقة حيث يشارك فيها الفص الأيسر، وكذلك الفص الأيمن المسؤول عن الإبداع، ولذلك فإن الموسيقى تزيد من حجم ونشاط المخ، وخصوصا في منطقة Corpus Callosum(في المنتصف)، وهو الجسر الموصل بين الفصين، حيث يسمح لمرور الإشارات عبره بسرعة ومن خلال طرق متنوعة، وهذا قد يسمح للموسيقيين أن يحلوا معاضل بطرق أكثر كفاءة وابداع، سواء في مؤسسات أكاديمية أو اجتماعية.
ولأن صناعة الموسيقى أيضا تشتمل على صياغة وفهم المحتوى العاطفي والمعلوماتي، فإن الموسيقيين عادة ما تكون لديهم قدرات وظيفية تنفيذية عالية، وهي تشتمل على التخطيط وتكوين الاستراتيجيات وملاحظة التفاصيل، بما في ذلك قدرتهم على معالجة الجوانب الإدراكية والعاطفية في نفس الوقت.
وقدرة العزف أيضا تؤثر على كيفية عمل الذاكرة، حيث أن الموسيقيين تظهر لديهم كفاءة محسنة في الذاكرة من تكوينها وتخزينها واسترجاعها بسرعة وبكفاءة أكبر، الدراسات بنيت أن الموسيقيين يبدون وكأنهم يستخدمون مخهم بروابطه الكثيرة لإعطاء كل ذاكرة أكثر من وسم (بطاقة أو شعار)، مثل وسم مفاهيمي وعاطفي وصوتي وسياقي، كما لو في أداة بحث إنترنتية.
كيف نعرف أن هذه التميزات هي مخصوصة فقط في الموسيقى بدلا من الرياضة أو الرسم مثلا؟ أو قد يكون أن الذين يتوجهون للموسيقى هم بالأساس أذكى، لقد قام علماء الأعصاب بدراسة هذه المسائل، وقد وجدوا – إلى هذا الوقت – أن الجانب الفني والجمالي لتعلم آلة موسيقية هي مختلفة عن أي نشاط آخر تمت دراسته، بما في ذلك الفنون الأخرى.
عدة دراسات عشوائية لمتطوعين كانوا بنفس المستوى الوظيفي للمخ حينما بدأوا، تبين أنهم تحسنوا في عدة جوانب في أدمغتهم بعد أن عُرِّضوا لتعلم آلة موسيقية بالمقارنة مع الآخرين (الذي لم يعرضوا لتعلم الموسيقى).
هذه الدراسات الحديثة التي تبين الفوائد الدماغية للعزف حسنت من فهمنا للوظائف العقلية، وكشفت النغمات الداخلية والتفاعلات المعقدة التي تُكوِّن الأوركيسترا الهائلة للمخ.
حتى أتأكد من صحة مزاعم ما ورد في هذه اللقطة الرسومية بحثت عن الأوراق العلمية التي تؤكد عليها، وتبين أنها صحيحة بلا أدنى شك. فعلى سبيل المثال
1. دراسة نشرت في مجلة النيتشر تقول أن أجزاء من مخ الموسيقاريين هي أكبر من غير الموسيقاريين، وهذه المنطقة يطلق عليها اسم Left Planum temporale region، وبينت الدراسة أن الأطفال الذين يتلقون التدريب الموسيقي ما قبل سن 12 سنة لديهم ذاكرة لفظية أفضل من أولئك الذين ليس لديهم تدريب بقدر 16% (وهذا فارق كبير). وتبين الدراسة أن هذه الخاصية تبقى معهم مدى الحياة. والدراسة خلصت بتقديم نصيحة لتعليم الأطفال الموسيقى. http://www.nature.com/nature/journal/v396/n6707/abs/396128a0.html
2. دراسة نشرت في مجلة Journal of Neuroscience تبين أن الأطفال الذين يتعلمون الموسيقى لمدة 15 شهرا في الصغر فإن أدمغتهم تظهر تغيرات هيكلية، وذلك يعطيهم التميز في قدراتهم الحركية في أصابعهم، وأن هذه التغيرات التي تحدث في المخ تختلف تماما عن التغيرات التي تحدث في أدمغة الأطفال الذين لا يتعلمون الموسيقى. http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2996392/
3. ورقة نشرت في مجلة النيتشر تقول أيضا أن المادة البيضاء في المخ تزداد إن تعلم الشخص العزف على البيانو، ولكن لابد من الابتداء في الصغر حتى تظهر فوائدها، والمادة البيضاء عبارة عن المكونات للجهاز العصبي المركزي، وهي التي تنقل الإشارات من مكان إلى آخر. فعلى سبيل المثال فإن الجسم النفثي (Corpus Callosum) الذي يربط بين فصي المخ يتكون من المادة البيضاء، وهو الذي يعمل على الاتصالات بين طرفي المخ. http://www.nature.com/neuro/journal/v8/n9/abs/nn1516.html
4. وكذلك دراسة في مجلة The Journal of Neuroscience تبين المادة الداكنة في المناطق الحركية والسمعية والمرئية في المخ للموسيقيين الذين تمرنوا على الأدوات ذوات المفاتيح (مثل البيانو) هي أكثر من أولئك الذين ليسوا موسيقيين، وكلما كان الموسيقي أكثر خبرة في الموسيقى كلما زادت هذه المادة بداخل الدماغ. http://www.jneurosci.org/content/23/27/9240.short
ليس ذلك فقط، بل إن الكثير من الدراسات تبين أن الموسيقى هي السبب في تطوير المخ، وليست المسألة مجرد تزامن، أي أن العلماء حرصوا كثيرا على كشف العلاقة السببية لزيادة نمو المخ، وهي بسبب الموسيقى، وكذلك حرصوا على أن يتبينوا أنه لم يكن وأن السبب في قدرة الشخص على عزف الموسيقى هو كبر مخه وبالتالي لديه موهبة للعزف، إنما تعلم الموسيقى هو الذي يتسبب في نمو المخ، وليس العكس.
عزف الموسيقى واللغة
التجارب العلمية تبين وبلا أدنى شك أن القدرات اللغوية تتحسن لدى عازفي الموسيقى، وخصوصا في ما يختص بقدرتهم على سماع وتمييز الأصوات والكلمات في وجود التشويش في الخلفية، فمثلا في حالات التشويش التي تصدر في خلفية الصف لوجود طلاب الذين يتحدثون أثناء الدرس، ستجد مثل هذا الشيء موجودا في الصفوف الأولى من حياة الطفل، حيث أن بيئة الصف الذي هو فيه غالبا ما تكون مشوشة بسبب زملائه، أولئك الذين تدربوا على الموسيقى لديهم القدرة الأكثر تميزا في فرز هذه المعلومات عن الخلفية المزعجة، وهذا يؤثر مباشرة على تعلمهم.
لقد شاهدت محاضرة للعالمة الدكتورة نينا كراوس (Nina Krauss)، وهي عالمة في علم الأعصاب، وقد كتبت مقالات كثيرة عن علاقة الموسيقى بالمخ، وتأثيراته على حياة الإنسان في المدى الطويل، في هذه المحاضرة عرضت صورا لإشارات المخ في محاولة فرز الأصوات مع خلفية هادئة، وخلفية مشوشة، سترى أن المستمعين أثناء الهدوء تتساوى قدراتهم في إشارات المخ، ولكن حينما يكون هناك تشويش فإن الإشارات التي تصدر في المخ للذين يعزفون الموسيقى لا تتغير في التقاط الصوت، أي أنها تميزه بنفس درجة الوضوح كما لو كان في خلفية هادئة، بينما الذين لا يعزفون الموسيقى فإن الإشارة تتغير، وهي أقل نقاء، ولا تقارن مع الإشارة في وقت الهدوء.
وتبين الدراسات أنه كلما كانت ساعات التمرين أكبر فإن قدرة التمييز تزداد لدى الشخص. وتبقى هذه الخاصية مع العازفين حتى في الكبر، وذلك حينما تضعف قدرة الأذن على التقاط الأصوات المختلفة. بل حتى أن التوقيت في إشارات خلاياهم العصبية أفضل من أولئك غير المحترفين، حيث يمكن مقارنتها مع فئة الشباب من حيث الأداء. أي أن الموسيقى هي سبب من أسباب المحافظة على جوانب هامة في المخ، وخصوصا تلك التي لها علاقة بالسمع، وبالتالي على التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
وكذلك فإن التمارين الموسيقية تحسن من الذاكرة السمعية الوظيفية، وهي قدرة الإنسان على تذكر ما قد سمعه قبل قليل، ثم احتاج لإعادة تكراره كما هو، أو إعادة تكراره بطريقة مختلفة، حينما تتعلم عزف الموسيقى أنت تستمع لها أولا، ثم تحاول أن تقلد إصدارها على الآلة، هنا المخ يحاول أن يحفظ ما سمعه حتى يستطيع أن يقلد ذلك الصوت ثم يعيد عزفه، وتتكرر هذه التمارين مرة تلو المرة، وبعد فترة من التمرين ستصبح هذه الإمكانية جزء من قدرات العازف، وتمتد هذه القدرة لتشتمل على اللغة. إذن، حينما يتعود المخ على عزف الموسيقى وتمييز النغم، ويتم تدريبه على حفظه، ثم يأتي صاحب هذا المخ للحديث مع شخص آخر في جو مشوش، فإنه سيتمكن من التقاط صوته هو فقط من الخلفية بنقاوة أكبر، وسيستطيع أيضا أن يتذكر الحديث بشكل أفضل.
وفي دراسات أخرى متعددة تبين أن الأطفال الذين يستطيعون متابعة الإيقاع الموسيقي لديهم استعداد أكبر للقراءة بشكل أفضل، وقد أجريت تجربة على مجموعة من الأطفال وطلب منهم أن يقرعوا الطبل، وهم يتسمعون لإيقاع طبل آخر، ثم فرقوا بين الأطفال الذين تمكنوا من اتباع الإيقاع بدقة أكبر من الذين لم يتمكنوا من ذلك، ولوحظ أن الأطفال الذين قادرين على اتباع الإيقاع زمنيا كانت استعداداتهم للقراءة أفضل. ويقصد بذلك أن الطفل قادر على معالجة الصوتيات بشكل أفضل، وأن ذاكرته السمعية القصيرة المدى أفضل أيضا، وكذلك فإن قدرته على التسمية هي أفضل. أي هذه القدرة على اتباع الإيقاع تحسن من مهارة الطفل للقراءة، وبالتالي فإن مستواهم في الدراسة يكون أفضل.
ما يهمني في هذه الدراسات أنها ليست كلها سيكولوجية، بل تعدى الكثير منها هذه المرحلة لتختبر المخ مباشرة، فليس هناك من يستطيع أن يقول أن هذه الدراسات هي غير موضوعية، أو ربما يشوبها الأخطاء التي عادة ما تشوب الدراسات السيكولوجية المختلفة.
وهناك دراسات كثيرة تبين تأثير عزف الموسيقى الإيجابي على الأطفال والكبار، ليس إلا للاختصار، وليس إلا لكي آتيكم بأفضلها.
الموسيقى في العلاج
لم يبدأ العلاج بالموسيقى حتى سنة 1944 في جامعة ميتشيغان ستيت، حيث اُكتشف أن الموسيقى كانت تخفف من آلام الجرحى في الجنود الذي شاركوا في الحرب العالمية، بل إنها كانت تحسن من أحوالهم العقلية أيضا، وحتى بعد هذه البداية في استخدام الموسيقى للعلاج لم تفهم قوة تأثيرها العلاجي إلا بعد ربع قرن بعد ذلك.
ويقول دكتور الأعصاب الراحل أوليفر ساكس (أوليفر ساكس اشتهر بكتابة “الرجل الذي اعتقد خطأ أن زوجته قبعة”، والكتاب مبني على قصص حقيقة لمرضى في الدماغ) في كتابه “حب الموسيقى” Musicophilia أنه صحيح أن الموسيقى بإمكانها أن تهدئنا، أو تحركنا، أو تطمئننا، أو تجعلنا ننفعل، أو حتى تنظمنا في العمل أو اللعب، ولكنها قوتها بالخصوص تتجلى في العلاج، فللموسيقى قوة كامنة لأمراض عصبية متعددة، مثل الزهايمر، أو الخرف (Dementia)، أو فقدان اللغة أو الحركة (المتعلقة بالأعصاب)، أو فقدان الذاكرة (amnesia)، أو التوحد، أو الباركنسون، كل هذه والأمراض وأخرى غيرها بإمكانها أن تستجيب للموسيقى (وأحيانا بعض هذه الأمراض لا تستجيب لغير الموسيقى).
قد تكون شاهدت الفيلم الشهير “إفاقة” (Awakening)، والذي مثل فيه روبن وليامز بدور طبيب، وروبرت دينيروا كمريض لا يستطيع الحركة بشكل شبه نهائي، كان يجلس على كرسي المعاقين ويده ملتوية وعلامات وجهه لا تتغير، هذه الحالة يطلق عليها باسم Encephalitis Lethargica (من أولئك المرضى من يتجمد في مكانه وهو واقف لساعات طويلة)، اكتشف الطبيب في هذا الفيلم أن إعطاء جرعات عالية من عقار إل-دوبا (L-Dopa) فإن المريض يخرج من التوقف إلى الحركة مرة أخرى، هذه كانت قصة حقيقية، وقد حدثت مع الطبيب أوليفار ساكس، وكتب كتابا في الموضوع ويحتوي على قصص عن أولئك المرضى، وكان الكتاب بنفس اسم الفيلم “إفاقة” Awakening. ويعود ليذكر أوليفر ساكس في كتابه “حب الموسيقى” أنه في تلك الأيام أكتشف أن المصابين بمرض الباركنسون اللاحركي تأثروا بالموسيقى بشدة، حيث أنهم كان يخرجون من التجمد، ويتحركون برشاقة للموسيقى، تجد أنهم لا يستطيعون المشي بأنفسهم، ولكنهم إن سمعوا الموسيقى رقصوا، وكذلك لم يستطيعوا يتفوهوا بكلمة واحدة، ولكن إن سمعوا موسيقى لأغنية تمكنوا من غنائها. هذه الموسيقى عدلت لهم الحركة والنطق بطريقة متناغمة كانت تنقصهم.
حينما تنظر إلى المريض بالباركنسون ستجدهم يتذبذبون ويرتعشون، ويصعب على بعضهم حتى المسك بشيء أو ربما المشي، ليست لديهم القدرة على ابتداء الحركة عفويا، تجدهم يتعلقون أو يتجمدون، العلاقة بين نواياهم للحركة وأجهزة الحركة في المخ غير متناسبة، (الباركينسون أيضا يؤثر حتى على انسيابية الإدراك والشعور بالإضافة للحركة)، هذه الحركة المتذبذبة تتلاشى أمام الموسيقى الصحيحة بالنسبة لذوق الشخص، الموسيقى يجب أن تكون من النوع الذي يفضله أو يحبه المريض، ويجب أن يكون بإيقاع معين بحيث يتمكن المصاب بالباركنسون من مسايرته (لا أدري كيف يمكن استخدام الموسيقى لمرضانا وقد حرمت عليهم، يذكرني ذلك بأحد الأطباء الذين أعرفهم، قال لي أنه حينما ينصح المريض بتعاطي دواء معين للقلب كي لا تتدهور صحته، يرفض رفضا قاطعا أخذ الدواء في رمضان، ويقول له: “خلها على الله”، البعض قد يقول أن الدين أحل للمريض أن يفطر في حالة المرض، فيمكنه تعاطي الدواء، وذلك، ربما يمكن للمصاب بالباركنسون سماع الموسيقى للغرض العلاجي، ولكن أي موسيقى ستعجبه بعد أن قضى كل حياته ممنوعا منها؟ أمر مؤسف جدا)
أما مرض الزهايمر والذي يبدأ تدريجيا بفقدان الذاكرة إلى أن يمسح الكثير منها، ثم يصل إلى مسح اللغة، وقدرة الشخص على الحكم والتخطيط، إلى أن يصل في النهاية إلى فقدان بعض إدراكاته بذاته، فيصل إلى حالة الخرف أو Dementia، ولكن المريض لا يفقد كل شيء، فهناك ما يبقى مع الشخص ولا يذهب من ذاكرته، ومن هذه الأشياء هي الموسيقى. فيمكن إحياء المريض الذي فقد عقله ونفسه بها، ويمكن إظهار عواطفه ومشاعره الجميلة بها أيضا، الموسيقى تصل إلى أماكن في العقل لا يصل إليها شيء آخر.
استخدام الموسيقى مع مرضى الخرف يختلف عن استخدامها لعلاج مرضى الباركنسون، فهي تتفاعل مع العواطف والإدراك والأفكار في ذهن المريض وترجعها لهم مؤقتا، الهدف منها ليس العلاج الدائم، ولكنها تساهم في إعطاء المريض فرصة لتنظيم ذهنه المبعثر، وتعيد بعض التركيز والهدوء إلى حياته التي تسكنها النرفزة والغضب أو الفراغ أو الحزن، وقد يكون للموسيقى أثرا لا يمكن مقارنته بتأثير دواء كما يقول الدكتور أوليفر ساكس. حتى الفيلسوف فردريك نيتشه وهو أيضا موسيقار، ألف مقطوعات جميلة بعد أن مرض بالخرف (تستطيع أن تستمع لها على اليوتيوب)، يعتقد أنه كان مصابا بالسرطان في المخ وأصبح مختلا عقليا، بعد أن كان هائلا في مستوى فلسفته فقد ذلك كله، ولكن مخه أبقى على قدراته في ارتجال الموسيقى وعزفها.
هذان كانا جانبين لتأثير الموسيقى العلاجي، ولكن أحثك على البحث على الأوراق العلمية على Google Scholar، ستجد أطنانا من الأوراق العلمية التي تبحث في مجالات علاج الموسيقى في: تخفيف التوتر، تأثيرها على المرضى الذين يعالجون بالكيموثيربي الذي يتسبب بغثيانهم، إعادة تأهيل الذين أصيبوا بصدمة للرأس، تخفيف الآلام، تأثيرها على المصابين بمرض الفصام (schizophrenia)، تأثيرها على المرضى الاكتئاب النفسي، تأثيرها على نفسية الشخص الذي أجريت له عملية قلب، تأثيرها على الثقة بالنفس، تأثيرها على الأطفال الذين تعرضوا لإصابات وجروح بالغة، أثرها في تحسين سرعة التخاطب عند المراهقين الذين أصيبوا في أدمغتهم، تأثيرها على الرياضة، وهكذا ستجد العديد والعديد من الأوراق العلمية بدراسات لا حصر لها على الموسيقى.
Music Walking Program for Pakinsons
الموسيقى في جزء من التاريخ
حينما ذكرت في بداية البودكاست أن الموسيقى بدأت منذ القدم في تاريخ البشرية لم تكن هذه الكلمة اعتباطية، بل أن الأدلة الأركيولوجية تدل على ذلك، حيث اكتشف العلماء مزامير متعددة في كهف في جنوب غرب ألمانيا، وهي تعود إلى ما بين 42,000 و43,000 عام في الماضي، وقد صنع بعضها من عظام الطيور وبعضها من عاج الماموث، نشر خبر اكتشافها في مجلة تطور البشر Journal of Human Evolution.
يقول العالم ولف هاين Wulf Hein أحد مكتشفي الكهف ومحتوياته، أن واحدة من المزامير صنعت من ساق نسر، وفيه ثقوب تدل على أن المزمار صنع بطريقة قريبة جدا من المزامير الحالية، وقد صنعوا نسخة من المزمار حتى يتمكنوا من عزفه، وهذا هو صوت المزمار يعزفه عالم الأركيولوجي بنفسه.
هناك أيضا آلات أخرى متكتشفة تدل على قدم آلات الطرق والمزامير، بعضها كان أقدم من مزامير الكهف الألماني، وبعضها يعود إلى 9000 سنة وجدت في الصين، ولكن لنقفز إلى على من أعلام العلم في تاريخ الحضارة الإسلامية.
لنعبر الآن إلى الفارابي، أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان الفارابي، الذي ولد بتاريخ 874 ميلادية أو 260 هجرية، فيلسوف في السياسة والميتافيزيقيا، والأخلاق والمنطق، وهو عالم وفلكي، وموسيقي، بالإضافة لمؤلفاته الفلسفية والسياسية والعلمية الكثيرة، إلا أنه أيضا ألف كتابا في نظرية الموسيقى، اسمه “كتاب الموسيقى الكبير”، وكذلك “كتاب صناعة الموسيقى.”
كان الفارابي مؤمنا زاهدا متواضعا، كان مطلعا على فلسفة أرسطو، وقد سئل مرة: “أأنت أعلم أم أرسطو؟” فكان رده: “لو أدركته لكنت أكبر تلاميذه” هذا بالرغم من علم الكبير. فقدت الكثير من كتبه، ولم يبق من كتب الفارابي غير كتاب الموسيقى الكبير، من خلاله وضع نظريات حول الموسيقى لتشتمل على تعريف اللحن وأنواع الموسيقى، وتأثيرها، وغاياتها، وصناعتها، وأدواتها، وأمور كثيرة وغزيرة في الموسيقى، وهو أول شخص ينظر إلى الموسيقى من الناحية النظرية (كما جاء في مقدمة كتاب الموسيقى الكبير بقلم: دكتور محمود أحمد الحفني، ولو أن الفارابي في كتابه الجزء الأول من كتابه يذكر وجود مصادر سابقة لعلم الموسيقى، وإن لم تكن كاملة)، بالإضافة لذلك فقد كان عازفا أيضا.
لا أدري ماذا حدث للمسلمين بعد ذلك بحيث أصبحت الموسيقى ممقوتة، قد يكون وأن العالم الإسلامي طور من الموسيقى ثم توقف عن ذلك لآراء آخرين أتو في المستقبل، لماذا انتعش الغرب في الموسيقى من الموسيقى الباروكية والكلاسيكية والرومانسية وغيرها؟ ولماذا لم يتطور العرب والمسلمين في هذا الجانب، هذا أمر يحتاج لبحث وتمحيص بشكل أدق.
ولكن فكر كيف سنكون لو أننا كنا نعيش في العصر الذي عاش فيه الفارابي، وكنا تلاميذا له، لكنا نعتقد أن الموسيقى حلال، وربما لطورنا فيها، وربما لكنا نعزف الآلات الموسيقية المختلفة في ذلك العصر.
ما هي سلبيات الموسيقى؟
بحثت على الجوجل سكولار عن تأثير الموسيقى السلبي على الناس، وكانت غالب المقالات عن التأثير الإيجابي للموسيقى، البحث عن السلبيات هو أمر صعب جدا، ولكنني مع ذلك وجدت لكم بعض السلبيات، ولكن ضع في عين الاعتبار أن كمية السلبيات في هذه الدراسات أقل بكثير كثير كثير من الإيجابيات، فعلى سبيل المثال، نشر بحث عن تأثير سماع الموسيقى في الخلفية لكبار السن، ولوحظ أن الموسيقى إن كانت في الخلفية أثناء محاولتهم للقيام بعمليات تتطلب الكثير من الجهد العقلي فإن هذه الموسيقى تؤثر على فاعلية الذاكرة لديهم، وهذا ينطبق على الكبار في السن في محاولتهم لتعلم شيء يحتاج لجهد عقلي كبير، ولكن بالنسبة للشباب فالتأثير متفاوت. أو دراسة تبين أن الأشخاص الإنطوائيين حينما يقومون بنشاط يحتاج لتركيز فإن الموسيقى أو التشويش يخفض كفاءة عملهم، بينما كفاءة الأشخاص غير الانطوائيين لا تقل في تلك الحالات. أخيرا وجدت بعض المقالات قليلة جدا تتكلم عن الأغاني التي يكون فيها إشارات للعنف والكراهية وغيرها وتأثيرها السلبي.
قد يتصور البعض أن العلم يتغير بسهولة مثل تغير الأجواء في اليوم الواحد (وهذا تصور خاطئ)، وبذلك يعتقد أنه يوما ما سيثبت أن الموسيقى ضارة ليتناسب ذلك مع اعتقاده المسبق، أقول له من الآن وبالكويتي: “إغسل إيدك” الموسيقى لها سنوات وهي تستخدم في العلاج، والأدلة العلمية واحدة تلو الأخرى أكدت من عدة طرق، ليست المسألة مثل موسيقى موزارت التي دحضها العلماء مباشرة ولم تسمع عنها، الدراسات الآن وصلت إلى المخ باستخدام أجهزة المسح، والدراسات على مدى سنوات تلاحق العازفين.
في النهاية عدت مرة آخرى للموسيقى، وبدأت بتعلم العزف مرة آخرى، وإن فاتني الكثير، ولكن الفرصة لا تزال أمامي، لذلك فإن كل المقاطع الموسيقية التي سمعتها في هذه الحلقة هي إما عزفي على البيانو، أو تأليفي، الآن أتركك مع إحدى المقطوعات التي ألفتها اسمها For Aida، وهي إهداء لزوجتي الحبيبة العزيزة الدكتورة عايدة. تستطيع أن تشتري نسخة نقية من الآيتيونز إن أحببت. وها هي كاملة الآن.
المصادر:
2. Musicophilia, Oliver Sacks
3. Contexual Relative Temporal Duration Judgement: An Investigation of Sequence Interruptionl
4. Exploring the Impact of Music on Brain Function
6. Beat-Keeping Ability Relates to Reading Readiness.
7. Turn Off the Music! Music Impairs Visual Associative Memory Performance in Older Adults،
9. Music and spatial task performance
10. The Earliest Music Instruments Found
11. Music training improves verbal memory
12. Musical Training Shapes Structural Brain Development
13. Extensive piano practicing has regionally specific effects on white matter development
14. Brain Structures Differ between Musicians and Non-Musicians
الله يحفظك للعالم.
اخوك
عبدالعزيز الحداد.
فعلا من أجمل الحلقات وليس انقاص في اي حلقة اخرى.
Sent from my iPhone
>
شكرا لك دكتور على ما تتحفنا به من بحوث علمية و تقنية ثمينة،
في هذه المرة كأنك وجهت أذهاننا لنستمع للبودكاست و كأننا في مواجهة علنية أمام الأحكام الفقهية ، و قد تمنيت لو تناولت الموضوع كسابقيه ؛ من الجهة العلمية، و للمستمع أن يصنع قراره و اللبيب بالإشارة يفهم ، كما فعلت في مواضيعك عن نظرية التطور ، و كشف المغالطات و غيرهما.
بالنسبة لما يخص موضوع الغناء و ما يحوطه من جو شائك ، و جدت هذه الدراسة – و لعلك على اطلاع مسبق عليها – للدكتور عبد الهادي الفضلي، أحببت مشاركتها معك – في حال لم تقع بين يديك من قبل – لعلنا نرى جزءا ثاني للغناء يتناول التفصيل الذي ذكره الفضلي من جهة ربما فلسفية ، منطقية ، أو علمية إن أمكن.
https://ia802708.us.archive.org/0/items/A.3.alfadly/alghena.PDF
http://www.goodreads.com/book/show/17854885
أكرر شكري لك دكتور محمد ، منتظرا للبودكاست القادم بفارغ الصبر
السلام عليكم
أحسنت يا دكتور في طرحك العلمي الرائع المبني على البراهين، وهذا ما ننشده .
لك جزيل الشكر والتقدير عل ابداعاك وتميزك في الطرح
ولاك ماهي الطريقة التي استخدمتها لتعلم العزف على البيانو
حلقة جميلة جدا ختامها مسك بمعزوفة رائعة
سؤال يحيرني كيف يستطيع الدماغ تنسيق العزف باليدين معا
لا أريد الإسهاب في الرد وإطالة النقاش والحوار لكني أود أن ألفت النظر إلى نقطين يسيرتين قد لا يعلمها البعض عن (الإسلام):
1- الإسلام لا يعارض الحقائق العلمية أبداً، بل هو الدين الوحيد الذي يحث عليه وهو الدين الذي لا يمكن أن يناقضه العلم؛ لأنه سلم من تحريف البشر، فبقي على ربانيته، وكذا الطبيعة مصدرها هذا الرب الواحد.
2- ليست كل التشريعات الإسلامية معلومة الحكمة، وليست كلها قابلة للتفسير العلمي البحت، ففي الإسلام ما يسمى بالغيبيات، وقد تكون هذه الغيبيات من أمور يوم القيامة والملائكة والقبر وغيرها مما يعلم بداهة عدم قدرة العلم على تفسيره، وقد تكون غيبيات متعلقة بالحكمة من التشريع، مثل لماذا نصلي خمس صلوات؟ ولماذا الصيام في شهر رمضان دون غيره؟ أو عن الحج وصفته؟ ولماذا حرمت الموسيقى وغيرها …. إذاً عدم معرفة الحكمة الإلهية، أو عدم معرفة السبب العلمي أو مخالفة التفسير العلمي لرأي الإسلام لا يعني بالضرورة خطأ هذا الحكم الشرعي أو بطلانه، وأتحدث هنا عن الأحكام الشرعية المتفق عليها بين أهل العلم، أما الخلافات الفقهية فالأمر فيها أوسع، وأما الموسيقى فهي من الصنف الأول المجمع على تحريمه، وأما الأصوات البشرية فهي من المحدثات العصرية التي اخلف فيها العلماء وليست أمراً قطعياً يجمع على جوازه العلماء.
أشكر لك يا دكتور محمد حبك للعلم النقي ونشره بدون تحيز، وأشكر لك أيضاً محاولتك للوقوف محايداً أمام الدين -وإن كنت أرى كمتدين أن ضعف التدين نقص وليس كمال- ، العدل والإنصاف عزيز وقل أن يوجد في هذا الزمان … ويكفيني سبباً لأعجب بشخصك هذه الصفة وحدها.
لا أريد الإسهاب في الرد وإطالة النقاش والحوار لكني أود أن ألفت النظر إلى نقطيت يسيرتين قد لا يعلمها البعض عن (الإسلام):
1- الإسلام لا يعارض الحقائق العلمية أبداً، بل هو الدين الوحيد الذي يحث عليه وهو الدين الذي لا يمكن أن يناقضه العلم لأنه سلم من تحريف البشر، فبقي على ربانيته، وكذا الطبيعة مصدرها هذا الرب الواحد.
2- ليست كل التشريعات الإسلامية معلومة الحكمة، وليست كلها قابلة للتفسير العلمي البحت، ففي الإسلام ما يسمى بعلم الغيب، وقد تكون هذه الغيبيات من أمور يوم القيامة والملائكة والقبر وغيرها مما يعلم بداهة عدم قدرة العلم على تفسيره، وقد تكون غيبيات متعلقة بالحكمة من التشريع، مثل لماذا نصلي خمس صلوات؟ ولماذا الصيام في شهر رمضان دون غيره؟ ولماذا حرمت الموسيقى وغيرها …. إذا عدم معرفة الحكمة الإلهية، أو عدم معرفة السبب العلمي أو مخالفة التفسير العلمي لرأي الإسلام لا يعني بالضرورة خطأ هذا الحكم الشرعي أو بطلانه، وأتحدث هنا عن الأحكام الشرعية المتفق عليها بين أهل العلم، أما الخلافات الفقهية فالأمر فيها أوسع، وأما الموسيقى فهي من الصنف الأول المجمع على تحريمه، وأما الأصوات البشرية فهي من المحدثات العصرية التي اخلف فيها العلماء وليست أمراً قطعياً يجمع على جوازه العلماء.
أشكر لك يا دكتور محمد تجردك للعلم ونضالك في سبيل نشره مجرداً حتى من آرائك الشخصية والتي لا نمانع من أن نسمعها من شخص مثلك، وأشكرك أيضاً على محاولتك للوقوف محايداً أما الدين -وإن كنت كمتدين أرى أن هذا نقص وليس كمالاً- ، فالإنصاف والعدل عزيز وقل أن تجد من يتحلى بها في هذا الزمان، وتكفيني هذه الصفة وحدها لأعجب بشخصك الكريم.
حلقة غاية في الروعة والجمال .
دكتور تكلمت في موضوع حساس بالنسبة لنا كسعوديين بالذات بجرئة وبعاطفة لما نعهدها من قبل ,عبرت عما في داخلنا .
حسافة البيانوا الخشبي ..
,
ونظرا للحساسية التي قل من يتفهماها تمنيت ان يكون المرور على مسألة التحريم مجرد تلميح سريع .
-قد لامست جرحا .
– الدين والكلام في المسائل الشرعية حساس بالنسبة لنا .
– الدين من وجهة نظري عندنا هو خليط من قليل من العلم مع كثر من البرمجة المختلطة بالعدات الغير قابلة للنقاش في العادة ,
لذالك كثير من الشباب يعيشون في حيرة وبعض التصادم بين الواقع والعقل وبين ما تبرمجوا عليه , ولا يستطيعون او لا يعرفون كيف يعبرون عما في داخلهم خشية الوقوع في المحظور.
– مررت بتجربة شخصية قريبة من هذه التجربة , تركت العود لمدة 15 سنة من اجل التدين
والان رجعت اليه من سنتين بعد قناعة تامة .وايضا هناك الكثير من الشباب من مروا بنفس التجربة ولكنهم بعد الوعي والاطلاع الواسع وتعدد مصادر التلقي غيروا المسار .
ختاما اشكرك من اعماق قلبي وعقبال البودكاست رقم 1000 ان شاء الله , وسعيد ان وعيت حتى ولو متأخرا حتى اختصر المشوار على اولادي .
طرح رائع من دكتور بارع
أود منك يا دكتورنا العزيز التطرق إلى تأثير القرآن على العقل وإلى العلاج بالقرآن (طبعاً بعيداً عن أستخدام بعض الجهله طرقاً خاطئه للمعالجه بالقرآن بل بمنظور علمي كقياس الأشارات التي تصدر من العقل عن تلاوة القرآن وعند حفظ القرآن وعند مراجعة المحفوظ منه ) وأرجو أن يكون طرحك موضوعي وغير متحيز كما هي عادتك.
وللمعلوميه أنا لا أعترض على الموسيقى فأنا أعتبرها مباحه ولا على التعالج بها ولكن أومن بأن القرآن سيكون تأثيره أقوى منها وأنا لدي قناعه تامه بأن الموسيقى في ذاتها ليست المشكله بل طريقة أستخدامنا لها هي المشكله كأن تصاحب كلام فاحش أو صحبة فاسدة أو أن تبعد الموسيقى الشخص عن الطاعه أو تقربه للمعصيه فهو بالتالي يأثم وهنا يكون التحريم والله أعلم.
مثال على الأبعاد عن الطاعه وعليه فقس : كلنا نعلم الأجر الذي يحصل عليه قارئ القرآن وهو أن الحرف بعشر حسنات فبالتالي لو كان حظنا من الموسيقى من أستماع وعزف ( بأعتبار أنها مباحه فالمباح من لا يؤثم فاعله ولا يعاقب تاركه إي لا يوجد به فائدة ولا مضره ) أكثر من تلاوتنا للقرآن وأستماعنا له كأن نقرأ القرآن أو نستمع له مره في الأسبوع بينما الموسيقى نستمع إليها بشكل يومي فهنا نقول بأن الموسيقى حرمتنا عن الطاعه ولابد من مراجعتنا لأنفسنا.
الخلاصه : الموضوع وما فيه أن الكماليات يجب ألا تقدم على الأولويات ففي الآخره سنتمنى الحسنه فنحن هنا نضيها من أجل أمور كماليه لا أعني الأبتعاد عن هذه الأمور الكماليه (وهي أي أمر مباح ولا تقتصر على الموسيقى) بل بالتوازن الذي لا يكون فيه أفراط ولا تفريط .
وأنا كمسلم أعتقد أعتقاد تام بأن القرآن به العلاج لجميع الأمراض وهو فعال أكثر من الموسيقى والعلاجات النفسيه المختلفه بمراحل ويكون القرآن إيضا علاج للأمراض العضويه المختلفه التي يصعب على الموسيقى علاجها وهذا الكلام مستنبط من كلام الله حين قال : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً).
فبالتالي أرجو منك يادكتورنا العزيز التطرق لموضوع فوائد القرآن للعقل والنفس والجسد من منطلق علمي بحت وأنا أعلم بأنه قد يوجد تقصير من العلماء للبحث في هذا الموضوع ولكن عشمنا فيك كبير بأنك ستقدم بحث مفصل ووافي عن هذا الموضوع.
وأعتذر على الأطاله.
انا هنا لا اقارن, ولكن سأذكر موقفي المتكرر لمن يحتاجه.
في بعض الاحيان تنتابني احلام متداخلة سريعة ومزعجة, فاستيقض في وسط نومي منهك بسبب هذه الكوابيس المصحوبة بالصداع والهلوسة وبجسدي المملوء بالعرق وبآهات ثقيلة محملة بالآلام.
من رأى حالي حتماً سيشفق علي, وربما حتى العدو سيحاول أن يمد يد العون إن استطاع.
هنا حيلتي ضعيفة, فلا أجد حل لازيل عني هذه الآلام ولا استطيع ان اعود إلى النوم لكي استريح منها, ولا حتى استطيع أن استيقض بسبب تعبي وعدم كفايتي من النوم.
زوجتي دائماً تقف عاجزة عن مساعدتي, فتارة تمسح بشعر رأسي لكي تشعرني بأنها موجودة بجانبي, وتارة تحاول أن ترخي عضلات جسدي المنهك, وتارة تسقني من الماء لكي تزيل عني الضمأ…
إلى أن أخبرتها يوماً, إذ رأيتني في هذا الحال, أفتحي تطبيق TvQuran في هاتفي وسوف تجدين سور محفوظة لعدة من القراء الافاضل. وقومي بتشغيل احداهم وضعي الهاتف بجوار رأسي.
وفعلاً, بعد مدة حدث معي نفس الموقف, ففعلت زوجتي ما طلبت منها. فور سماعي للآيات تتهادى على اذني, انشرح صدري وزال الصداع وانضمرت الكوابيس واندثرت الهلوسة واحسست بجدسي ينتعش بالبراد, فكأنما وجدت نفسي قبل 30 عاماً ذاك الطفل الذي ارتمى على احضان أمه ولم يستطع أن يتمالك نفسه من دفئها فغلبنه النوم.
والحمد لله, في كل مرة يحدث لي هذا الموقف تقريباً, زوجتي او حتى أنا إن استطعت نفعل ذلك. وفي كل مرة نفس شعور الطفل ذاك يتكرر.
جمال القرآن وجمال سماعه أو قرائته حتى, يفوق ما يفوق سماع أي شيء آخر…
موفق جميل جداً جداً
كل الشكر للدكتور سعيد عبدالرحمن على هذا المقال واسأل الله ان ينفع به العباد والبلاد
استوقفتني عظه من الدكتور انه بدأ بموعظة عن الموسيقى في العلم وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم صلى على الرسول عليه السلام