الجيل الخامس من الاتصالات 5G
اليوم لدينا حلقة مهمة جدا، موضوع مهم لأن عليه نقاش كبير في ساحة التواصل الاجتماعي، لا يُعلم من ينقل الحقيقة فيه، تصريحات من الجميع بعلم ومن غير علم، ومن غير الواضح من نصدق، موضوعنا اليوم عن الجيل الخامس من الاتصالات 5G، وعن الطريقة التي يعمل بها، ومستقبل هذه التكنولوجيا التي ستكتسح العالم، وأضرارها إن وجدت. بداية سأتكلم عن التقنية الحديثة نفسها، ثم أتحدث عن مستقبل استخداماتها، ثم أتطرق لموضوع الصحة بعد.
لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!
تقنية الجيل الخامس
تخيل السيناريو التالي، أنت جالس في الكرسي الخلفي للسيارة وتشاهد لقطة يوتيوب، أو تتصفح الإنترنت، أو تستمع إلى بودكاست السايوير (وأنت لم تنزل الحلقة على جهازك، إنما تنزل الحلقة أثناء السماع)، توجهت السيارة إلى الخط السريع، انتقالا من مدينة إلى أخرى، لا يحتوي الشارع على أبراج تقدم لك سرعة الإنترنت 4G، أثناء السير، تحول هاتفك على شبكة 3G، ماذا يحدث لليوتيوب؟ سيتوقف، وستبقى عيناك على الدائرة المنقطة، تدور وتدور وتدور ثم تدور، أو ستجد إن الصفحة لا تنزل بسرعة، أو إن البودكاست الذي تستمع له يبدأ بالتوقف ثم الاستمرار ثم التوقف ثم الاستمرار مرة أخرى، وستنزعج كثيرا من بطئ السرعة في إنزال المعلومات.
هذا بالضبط ما سيحدث لك حينما تنتقل من سرعة 5G إلى سرعة 4G، بل أكثر من ذلك، ففرق السرعة بين الجيل الخامس والجيل الرابع أكبر بكثير من السرعة بين الجيل الرابع والثالث، لو اعتبرنا إن 3G مثل شارع ضيق بين المدن تسير فيها جميع السيارات، ستكون تقنية 4G خط سريع مكون من عدة شوارع، أما 5G فسيشتمل على الخط السريع المستخدم في شبكة 4G بالإضافة لمجموعة كبيرة من قطارات ماغ ليف التي تتحرك على سكك مغناطيسية بسرعة خاطفة، وتحمل معها كمية ركاب كبيرة، بل ستكون هناك أراضي واسعة جاهزة لإضافة سكك حديد ماغ ليف كثيرة مع مر الوقت، وحينما تكون في سيارتك يوما ما، وفي منطقة بعيدة عن شبكات 5G، وتحولت على 4G ستلعن الساعة التي خرجت فيها عن نطاق شبكة الجيل الخامس.
حتى أبين معاني الشوارع والسكك الممغنطة لأتحدث عن الأجيال المختلفة وتركيبتها. لنبدأ من الجيل الأول لنرى كيف تطورت الشبكات، وماذا شملت على مدى الوقت.
الجيل الأول: كان يستخدم فقط في الاتصال الصوتي. كان نوعه Analog، أو غير رقمي Not Digital.
الجيل الثاني: كان للاتصال الصوتي، وأيضا لإرسال رسائل نصية SMS، ذلك يعني تحول الاتصالات إلى رقمية.
الجيل الثالث: بدأت الاتصالات ترسل معلومات رقمية أكثر، وأصبحت ترسل معلومات الإنترنت، من صفحات وصور وفيديو وما أشبه، ولكنها كانت بطيئة جدا، ولا زالت بطيئة. أصبحت سرعة الاتصالات 2 ميغا بيت في الثانية للأجسام الثابتة، وسرعة 384 كيلو بيت في الثانية للأجسام المتحركة، يعني لو كنت في السيارة ستنخفض سرعة الإنترنت عما هي عليه لو كنت واقفا.
الجيل الرابع: هنا بدأت سرعة الإنترنت تصبح كبيرة بالمقارنة مع السابق، كان من المفروض أن تصل السرعات إلى 1Gbps، ولكن في الحقيقة لم تصل إلى ذلك، وصلت إلى عشرات الميغابتات في الثانية، بل إن التقنية تطورت تدريجيا حتى وصلت إلى سرعات أكبر، حتى إن البعض يذكر إن 4G في الحقيقة لم تصل إلا إلى 3.9G. وتطورت التقنية أكثر عن لما رأينا 4G LTE.
الجيل الخامس: متوقع أن تصل فيه السرعات إلى 20 غيغابت في الثانية، تخيل إنك تريد أن تنزل فيلم كامل أو مسلسل كامل من النت، إذا كان المسألة تأخذ أقل من ساعة بسرعات 4G، ستأخذ ثوان على 5G.
بل إن الشبكة ستتحمل أعداد أكبر من المستخدمين بكثير من شبكات 4G، وهذه مشكلة عانيت منها كثيرا، فقد اشتركت مع شركتين في الكويت، كل منها تدعي إنها تقدم سرعة تصل إلى 150 ميغابت في الثانية عبر الجيل الرابع، ولما دفعت لاشتراك سنوي، وأتيت بالجهاز إلى المنزل، انخفضت السرعة في غالبية أوقات اليوم إلى 5 ميغابت في الثانية، بل حتى مع الأوقات التي تكون فيها السرعات عالية، كانت تتغير السرعات خلال اليوم نفسه.
كل هذا يعود لعدد المستخدمين للشبكة في المكان الواحد، فكلما زاد عدد المستخدمين انخفضت السرعة، ومن أسخف الأشياء التي حدثت لي هي إنني حينما كنت أتصل بالشركات، يقولون لي: بما إن الشبكة توفر لك سرعة 3 ميغابت في الثانية، فهذا كافي، وبين لي شخص في خدمة الزبائن إن الشركات كلها متفقة على هذه السرعة الدينا، أن لا حاجة لإصلاح مشكلة السرعة طالما إنها 3 ميغابت في الثانية أو أكثر، ودفعت مبلغ عالي من غير الاستفادة من السرعات، أتذكر في اتصالاتي كنت أذكر لهم، وعدتوني بسرعة 150 ميغابت في الثانية، أعطوني على الأقل 30 ميغابت في الثانية، لا بل أنا راضي لو تعطوني 20 ميغابت في الثانية، لا أريد 150، صحيح إنكم ادعيتم أن السرعات “تصل” إلى 150 ميغابت في الثانية، ولكن ليس من المعقول أن تكون بهذا البطء، ولكن الرد على الطرف الآخر أتى فارغا، فصحلوا أموالي، ولم يعطوني ما وعدوني ولا حتى عشره.
المشكلة كانت في أعداد الناس الذين يستخدمون نفس برج الاتصالات، كلما زاد أعداد الناس كلما انخفضت سرعة نزول المعلومات، وهذا ما يتميز به الجيل الخامس عن الرابع في أنه يوفر سرعات كبيرة مع إمكانية تغطية عدد أكبر من الناس في مساحة الكيلو متر المربع الواحد، من الممكن أن تنخفض السرعات، ولكن بمجرد أن تضيف الشركة جهاز إضافي في الأماكن المكتضة بالمستخدمين بإمكانها أن تستوعبهم.
بالإضافة لذلك، سرعة تجاوب الخدمة ستكون 1 ملي ثانية، جزء من 1000 من الثانية، بينما سرعة استجابة الجيل الرابع هي 100 ملي ثانية، أي إن سرعة استجابة الجيل الخامس أسرع بمئة مرة من الجيل الرابع. وهذا مهم جدا لمستقبل التقنية.
سرعة الاستجابة مهمة لأمور كثيرة، منها السيارات ذاتية القيادة، مثل سيارة جوجل، فلو كانت السيارة متصلة بالشبكة، وترسل معلوماتها للتحليل على سحابة جوجل المختصة للسيارات، فإن الأوامر التي ترسلها للسيارة لاتخاذ قرارات معينة ستكون سريعة جدا، كذلك، ستتمكن السيارات التواصل مع بعضها ومع المشاة في الشارع لاتخاذ قرارات جماعية، السيارات لديها علم لحظي بما يحدث لكل السيارات الأخرى والمشاة، وتتخذ قرارات بسرعة.
من ناحية أخرى، ستنفجر تكنولوجيا إنترنت الأشياء IoT، وهي عبارة عن الأجهزة المختلفة المتصلة بالإنترنت وتقوم بوظائف معينة، وتتحدث مع بعضها ويمكن التحكم فيها عبر الإنترنت، لنقل إن المدن التي نعيش فيها ستصبح مدنا ذكية بإنترنت الأشياء، ومن المفروض أن تتحسن الحياة بوجودها (من المفروض)
بإمكانك أن تتخيل استخدام الأطباء لروبوتات الجراحة عن بعد، فإذا كان الجراح في ألمانيا، والمريض في الصين، بإمكانه أن يقوم بعملية جراحية عن بعد، وليس هناك تخوف من تأخر الذراع الروبوتية لما يتخذ الطبيب قرار في تحريكها، فلو أمسك الطبيب بالأذرع في ألمانيا، وحركها، ستتحرك معه الأذرع الروبوتية في الصين في نفس الوقت تقريبا، مثل هذه التطبيقات ستسمح لمختص نادر الاختصاص بتقديم خبراته عبر الإنترنت من غير أن تتأخر الشبكة بالتفاعل معه.
وكذلك تطبيقات الواقع المعزز ستكبر، وستكون التفاعلات بداخلها لحظية، فمن يتصل بالشبكة عبر الواقع المعزز سيستفيد من سرعة الاستجابة، وستتكون العوالم بسرعة كبيرة من غير أن يشعر بتأخرها. [1]Perspectives on 5G Applications and Services https://futurenetworks.ieee.org/roadmap/perspectives-on-5g-applications-and-services
لنكن واقعيين هذه السرعات وإن كانت لها تطبيقات عملية مذهلة، إلا إن التطبيقات الكبرى هي التي نستخدمها يوميا وبكثيرة، فأولها ستكون إنزال الفيديوهات من الأفلام والمسلسلات ويوتيوب، هذه تأخذ حصة الأسد في الإنزالات، بالطبع فإن جودة الفيديوهات ستتحسن أيضا، وتصبح أكثر وضوحا من السابق، وكذلك التواصل الاجتماعي الذي يعتبر العصب الأساسي للبشر في العالم، وستستهلك هذه أكبر كمية من المعلومات على الشبكات، وقد وجدت بعض الإحصائيات التي تقول إن بعد جوجل ثاني أكثر موقع يزوره الناس هو يوتيوب ويأتي بعده فيسبوك، وبايدو (شركة بحث مثل جوجل وأمور أخرى كثيرة)، أما من ناحية استهلاك المادة فالفيديو هو أكثر نوع يتم إنزاله من النت، وكذلك ألعاب الكمبيوتر، لكم أن تتخيلوا كيف ستتطور الألعاب مع خدمات الإنترنت السريعة. [2]DIGITAL 2019: GLOBAL INTERNET USE ACCELERATES https://wearesocial.com/blog/2019/01/digital-2019-global-internet-use-accelerates
مع ذلك لن نرى السرعات الكبيرة في المرحلة الحالية، لقد أطلقت 3 شركات حملات دعاية في الكويت، كل منها يدعي إنها أول من نزل خدمة 5G في الكويت، شخصيا ذهبت إلى إحداها، وجربت سرعة إنزال المعلومات باستخدام الجيل الخامس، وكانت أقصى سرعة وصلت لها حوالي 700 ميغابت في الثانية، وفي يوم أخر جربها كانت 350 ميغابت في الثانية، وجربت شركة أخرى كانت السرعة فيها حوالي 450 ميغا بت في الثانية، مع إني رأيت فيديوهات يبين سرعات تصل إلى 1 غيغابت في الثانية.
هذه السرعات كانت على أجهزة أنا الوحيد الذي شبك عليها، لابد إن الشركات ستأخذ بعض الوقت لكي تستقر لديها الأجهزة، وأتوقع إن في البداية مع تركيب أوائل الناس لهذه الشبكة ستكون السرعات عالية، ثم تنخفض، ثم تضيف الشركات أجهزة في المناطق لاستيعاب السرعات، وهكذا إلى أن تستقر الأمور.
هل شبكة 5G مضرة بالصحة؟
بعد أن أعلنت عدة شركات اتصال في الكويت عن قدوم 5G تحرك الناس على التواصل الاجتماعي في طرح الأمراض التي يتعرض لها الإنسان بسبب الشبكة، سواء على شكل فيديوهات كتابة عن الموضوع، ودارت بعض النقاشات الناعمة حول ما إذا كانت الشبكة القادمة فعلا مضرة من عدمه، وحتى إن بعض الأطباء صرح بأن هناك مخاوف فعلا من الموجات الكهرومغناطيسية، وأنها قد تسبب السرطان، والبعض أرسل فيديوهات تقول إن الإشارات قوتها بقوة إشارات الموجات السينية.
بدوري هنا قمت بشيء أتصور أغلب من كتب في هذا الموضوع لم يقم به، وهو أني بحثت أكثر من مجرد المرور على صفحات الإنترنت لأعطيكم إجابة غير متسرعة وغير متهورة، فبدلا من أن أذهب للمواقع لقراءة ما فيها، واعتماد النتائج، قمت بالبحث ومراسلة بعض الذين يدعون إن شبكة 5G مضرة، وطلبت منهم الأدلة على إدعاءاتهم، وبحثت أيضا في المواقع الرسمية، مثل ITU و3GPP والوكالة الدولية لبحوث السرطان (International Agency for Research on Cancer IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية (World Health Organization WHO) وكذلك بعض المواقع الطبية مثل جمعية السرطان الأمريكية (American Cancer Society ACS) والمعهد الوطني للسرطان (National Cancer Institute NCI)، لأرى ما الذي توصلوا له، هل نفوا بشكل قطعي الإصابة بالأمراض؟ هل أكدوا على الإصابة من الأمراض من شبكة الجيل الخامس؟
لماذا ذهبت إلى المنظمات الرسمية الرئيسية العالمية والدولية؟ ببساطة لأنهم هم من يستطيع أن ينظر في الأبحاث العلمية ويعطينا إجابة، لا أنا ولا أحد من مدعي مخاطر أو عدم مخاطر شبكات الاتصال يستطيع أن يعطي صورة كاملة، فمن يقدم لك بحث واحد على الإنترنت كدلالة على خطر الموجات الكهرومغناطيسية فاتته آلاف الأبحاث التي تقول عدم خطورتها، ومن يدعي إن هناك مجموعة من العلماء يقولون إن الموجات الكهرومغناطيسية خطيرة، فهو لا يعرف حقيقة أولئك الذين يزعمون أنهم علماء، أو يزعمون إن الشبكة خطيرة، ولا يدري إن كانوا فعلا يعلمون حقيقة الأبحاث العلمية حول مخاطر أو عدم مخاطر الاتصالات. أما المؤسسات الرسمية سواء الحكومية أو التطوعية، فهي فعلا تركز على الإتيان بعلماء همهم أن دارسة مخاطر موضوع معين، ثم نشر الخلاصة، ووضع سمعتهم على الخط.
ما هي الإشعاعات التي يتفق عليها العالم أجمع بضررها الواضح؟
هناك نوعان منها، نوع يطلق عليه إشعاعات مؤينة، وعادة ما تكون عالية التردد، مثل الموجات فوق البنفسجية، والجاما، وتشتمل على أشعة إكس وكذلك على الإشعاعات النووية، وهكذا، هذه الإشعاعات خطيرة على الحياة، وكيفية تدميرها يأتي من قدرتها على الإخلال بالروابط الكيميائية، فمن الممكن أن تضرب الدي إن إي، وتكسر الروابط فيها وتدمره، مثال على ذلك ما حدث في تشيرنوبل من موت العديد من الإطفائيتين وإصابتهم بالسرطان من جراء الإشعاعات في حادثة انفجار المفاعل النووي، تأثير مثل هذه الإشعاعات مباشر، ويلاحظ في ساعات أو أيام أو أشهر قليلة، ولا مجال لمناقشة أضرارها من عدمه، ليس هناك شك في إنها مضرة بالصحة.
أما النوع الثاني فهي الموجات غير المؤينة، والتي لا تستطيع أن تكسر الروابط الكيميائية بتأيينها، حيث إن طاقتها غير كافية للقيام بذلك، وهذه هي الموجات التي نستخدمها للاتصالات سواء في موجات الراديو التقليدي، أو الهواتف المتنقلة، أو الواي فاي، أو حتى الميكرويف الذي نستخدمه للطبخ، رغم إننا نرفع حرارة الأطعمة باستخدامه، إلا إن ترددات إشاراته ليست قادرة على كسر روابط الجزئيات بنفس طريقة الموجات المؤينة، ما تقوم به هو هز بعض أنواع الذرات فترفع حرارة الطعام، وبالطبع فإن التفاعلات الكيميائية تحدث بسبب الحرارة، كما تحدث في طبخ الطعام.
الاتصالات التي نستخدمها يوميات تعمل في نطاق واسع من الموجات غير المؤينة، فهي لا تستخدم أشعة إكس أو أشعة جاما، وتستخدم مستويات من الطاقة منخفضة جدا.
المنظمات الرسمية العالمية مثل ITU و3GPP وضعت معايير لضبط قوة الإشارات بحيث لا تتعدى قوة معينة بحسب نوع الجهاز المستخدم، سواء أكان خلية اتصالات، أو هاتف خلوي، أو ما شابه، إذن، المؤسسات الرسمية، وضعت معايير بحيث تضمن سلامة الناس من الموجات الكهرومغناطيسية غير المؤينة، والمعايير التي وضعت ليست اعتباطية، إنما تعتمد على ما توفر من أبحاث علمية حول تأثير الموجات.
هذا من ناحية، أما عن موجات الجيل الخامس نفسها، والنوع الذي يطلق عليه اسم موجات مليمترية، فهي لا تصل إلى مسافات كبيرة، ولا تخترق أبعد من جلد الإنسان، ولا تستطيع اختراق المنازل، ولذلك ستقوم الشركات بتوزيع أجهزة كثيرة في المناطق التي لا يصل إليها الإرسال بقوة كافية، هذه الموجات كما ذكرت سابقا ستشتمل على ترددات موجات الجيل الرابع التي تستطيع أن تصل إلى داخل بيتك، وكذلك الموجات الميلي مترية التي لا تستطيع أن تخترقه أو حتى جلدك بالطاقة التي قررت منظمات الاتصالات وضع قواعدها.
وصلني فيديو يدعي إن هذه الموجات بالترددات الملي مترية توازي موجات أشعة أكس المؤينة، وهذا الكلام غير صحيح بتاتا، لو نرجع إلى طيف الموجات الكهرومغناطيسية كلها، وننظر إلى الترددات، لوجدنا إن أقوى موجة في التردد الملي متري أو الميكرويف أقل من تردد الضوء المرئي الذي تراه بعينيك أو حتى الموجات التحت الحمراء التي تسخن جسدك تحت الشمس، وإذا ما قارناها بأقل موجة سينية أو أشعة X لكانت أعلى موجة ميكرويف أقل من أشعة أكس بـ 100,000 مرة، هذا القياس مبني من حيث تردد الموجة، الفرق بالتردد بين الموجة غير المؤينة (موجات الميكرويف)، والمؤينة (إكس) 100,000 مرة، من العيب أن يدعي شخص إنها نفس الموجات السينية.
لو وضعنا الموجات الكهرومغناطيسية على خط، لوجدنا أن الترتيب كالتالي، الموجات الراديوية، ثم الميكرويف ثم الموجات تحت الحمراء، ثم الضوء المرئي بكل ألونه الجميلة، ثم الضوء فوق البنفسجي الذي بعضه يسبب سرطان الجلد إذا ما كان تردده عال، ثم بعد ذلك أشعة إكس، ثم غاما، والمسطرة التي أتحدث عنها ليست خطية، أي إنها تصعد أسيا، أو مضاعفات العشرة، كلما صعدت إلى الموجات ذوات التردد الأعلى تصعد 10، 100، 1000، 10000، 100,000، مليون وهكذا.
هذا كان بالنسبة للتردد، ولكن ماذا عن مستوى الطاقة؟ لو رفعنا الطاقة في موجات الميكرويف بإمكانها أن تسخن الطعام، وهذا معروف، فأنت لديك جهاز يعمل على موجات الميكرويف غير المؤينة وهو فرن، اسم الفرن على نوع الموجات التي يستخدمها، الطاقة فيه عالية جدا إلى درجة إنه يسخن الطعام (فهو يستخدم حوالي 1000 واط أو أكثر). ولكن الطاقة المستخدمة في الاتصالات ضعيفة جدا جدا جدا بالمقارنة، فمثلا الجهاز الذي سيُركب في المنازل وأماكن العمل بالداخل لا يعتدى 0.1 واط (أي إن قوته أقل من الميكرويف بعشرة آلاف مرة) تصل إشارات هذه الخلية إلى عشرات الأمتار، أما الذي يوضع خارج المنازل فسيبث بطاقة قدرها 1 واط (حوالي 1000 مرة أقل من الميكرويف)، وأيضا يصل عشرات الأمتار، أما في المولات والمطارات ومحطات القطار لن يتعدى 5 واط، ويصل أيضا إلى عشرات الأمتار في المسافة، أما في المساحات الشاسعة فقوة الإشارة ستصل كحد أقصى إلى 20 واط، وسَتُبث إلى مئات الأمتار، بالمقارنة، الواي فاي يستخدم واط واحد وهو في منزلك اليوم، وفي العديد من الغرف، وهذا بالنسبة للخلايا الرئيسية، وليس الهواتف التي تحملها معك، وتضعها على أذنك. لا ننسى إن الموجات الملي مترية لا تستطيع أن تخترق الأشجار ولا حتى قطرات الماء، أبسط الحواجز تمنعها من الوصول.[3]FR2 Network Coverage https://en.wikipedia.org/wiki/5G#FR2_Network_coverage
بالطبع ستكون هناك خلايا أكثر في المدن، فالمتوقع أن تكون هناك 13.1 مليون خلية بعام 2025 بحسب مقالة في IEEE Specturm مجلة جمعية المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين، وستستهلك هذه طاقة أكبر من شبكات 4G لكثرتها، ومع الوقت ستتحسن التقنية لتصبح أقل استهلاكا للطاقة، وأحد أسباب انتشار المخاوف يرجع لزيادة أعداد أجهزة الاتصالات، فسنغرق في الإشارات الكهرومغناطيسية، وإن كانت ضعيفة القوة.[4]The 5G Dilemma: More Base Stations, More Antennas—Less Energy? https://spectrum.ieee.org/energywise/telecom/wireless/will-increased-energy-consumption-be-the-achilles-heel-of-5g-networks
وللعلم الطاقة التي تحسب كتأثير لا تحسب فقط كطاقة، إنما طاقة بالنسبة لمساحة التأثير، وهذه تقل مع المسافة، ولذلك كل هذه الطاقات تنخفض انخفاض شديد كلما ابتعدنا عنها، وبذلك ينخفض تأثيرها، هذا يعني لو إنك وقفت تحت البرج الكبير الحالي الذي يرسل إشارات 4G ستكون قوة الإشارة التي تصلك 1000 مرة أقل من قوة البث وأنت عندها مباشرة. وقد تطرقت له جمعية السرطان الأمريكية كنوع من التطمين من ادعاءات أخطار الموجات الكهرومغناطيسية.
ما الذي وجدته في البحث عن مخاطر الجيل الخامس من الاتصالات؟
لنتكلم عن المخاوف المنتشرة، انتشر في التواصل الاجتماعي إن هناك مخاوف من التأثير السلبي لإشارات الجيل الخامس، فمثلا هناك من ذكر إن أكثر من 200 عالم من حول العالم كتبوا رسالة إلى الأمم المتحدة لتحذيرهم من شبكة الجيل الخامس، لأضرارها، وهناك من ذكر إن العديد من الدراسات نشرت حول التأثير السلبي لهذه الإشارات على الإنسان والحيوان، وذكر البعض إن الدراسات تبين إصابة الإنسان والحيوانات بالسرطان من أثر الإشارات الكهرومغناطيسية لشبكات الاتصال. وفي الطرف الآخر، هناك من يقول أنه لا توجد أي أدلة على إصابة أحد بالسرطان، وأن الدراسات والمؤسسات الرسمية صرحت أن لا وجود لأي مخاوف. من المحق؟
أولا، وقبل كل شيء، من يدعي إن هناك دراسات كافية عن الجيل الخامس وأثرها على البشر بإصابتهم بالسرطان فهو غير مطلع، خصوصا إن غالبية دول العالم لم تركب هذه الشبكات بعد، فكيف أصبحت لدينا دراسات مؤكدة على إصابة البشر بالسرطان منها؟ ولا ننسى إن الموجات الكهرومغناطيسية ضعيفة جدا ليس بإمكانها أن تصيب الإنسان بالسرطان بالسرعة التي تصيبه به الموجات المؤينة مثل أشعة أكس أو جاما مثلا، فلذلك المسألة تحتاج إلى سنوات طويلة لمعرفة تأثيرها، فإذا وجدت دراسة مخبرية قصيرة المدة هنا وهناك إعلم إنها لا تصل إلى مستوى يمكنك الوثوق بها بعد، فلا المؤسسات الرسمية صرحت بأنها موثوقة، ولا هناك دراسة شاملة على تلك الأبحاث للوصول لنتيجة.
لننظر في تفصيل الموضوع، لنرى ما حقيقة المخاوف من عدمه، لقد قمت ببحث تفاصيلي ونظرت إلى الجانبين، والردود على كل منها، وفي التفاصيل تكمن الحقائق، بحثت في المواقع، وقرأت بعض الأوراق العلمية، وحتى أنني راسلت بعض العلماء، وبالرغم إنني قمت بما لم يقم به الكثير من المصرحين في الموضوع. إلا إنه قبل أن أخوض فيه، أود أن أبين إن رغم بحثي في الموضوع بشكل واسع إلى حد ما إلا أعتبر بحثي بسيطا، ويحتاج إلى تطوير أكثر.
الآن، لنبدأ من المخاوف، وتحديدا عن توقيع 200 عالم على رسالة مناشدة إلى الأمم المتحدة، فعلا، وجدت إن هناك صفحة أنشأت لهذا الموضوع بالذات.[5]INTERNATIONAL APPEAL
Stop 5G on Earth and in Space https://www.5gspaceappeal.org/the-appeal
ذكروا إن بتركيب شبكة 5G سنتعرض لإشارات راديوية بأكبر من السابق، وهذا صحيح، وأن هذه الإشارات مضرة للإنسان والبيئة، وأن تركيب الشبكة يعد تجربة على البشر والبيئة وتعد جريمة تحت القانون الدولي. كلام خطير في مقدمة الرسالة: جريمة في حق البشرية، لأن الأدلة تثبت مضار الإشارات الكهرومغناطيسية عليه، نتساءل، هل هناك أدلة على أن الإشارات الكهرومغناطيسية ضارة للإنسان؟ وهل هناك جهة رسمية تؤيد هذا الشيء؟
(ادعوا في رسالتهم إن الإشارات المستخدمة تصل إلى 20 واط، وهو أكبر مما تستخدمه الهواتف بقدر 10 مرات، وهذا الكلام غير صحيح، فكما ذكرت أن الإشارة 20 واط كحد أقصى تستخدم للخلايا الواسعة البعيدة، وليس الهواتف، وهذا تهويل من غير أي داع، مع ذلك نكمل).
الفكرة الأساسية إن أخطار 5G في العموم معتمدة على أخطار الأجيال التي قبلها، وليس على دراسات 5G بالتحديد، فهناك دراسات على خطورة الأجيال السابقة ولذلك لابد أن ننتبه إلى الشبكات الأحدث، وهذا هو ما يعتمده العلماء في طرح تصورهم عن 5G.
ذكرت المناشدة إن في السابق قامت مجموعة من حوالي 200 عالم بمناشدة الأمم المتحدة على خطورة الجيل الرابع، أو بالأحرى جميع الموجات الكهرومغناطيسية، فذهبت لهذا الموقع أيضا لأتحرى موضوعه.
أطلق على مناشدة الجيل السابق “عالم حقول الموجات الكهرومغناطيسية” (EMF Scientist)، وقرأت مناشدتهم أيضا، وهي أيضا تذكر مخاوف كثيرة، وتود لو تُلغى جميع موجات الاتصالات من حياتنا من ضمنها موجات 1-4G والواي فاي والهواتف اللاسلكية المنزلية، والراديو وأي شيء يطلق إشارات حتى لو كانت بسيطة، كل الموجات التي صنعها الإنسان ضارة.[6]International EMF Scientist Appeal https://www.emfscientist.org/index.php/emf-scientist-appeal
وضعوا أسماء العلماء الموقعين أسفل العريضة أو المناشدة، لم تكن في صفحة العلماء الموقعين إيميلات، فذهبت إلى صفحة فيها مجموعة من العلماء مع كلماتهم ضد شبكات الاتصال بشكل عام، ومع كل عالم إيميل، فقررت أن أبعث رسائل لهم أطلب منهم أن يعطوني أراؤهم في شبكة 5G، كان عددهم 26 عالما، لاحظت إن العديد منهم لم يمتلك إيميل تابع لمؤسسة رسمية، مثل جامعة أو شركة أو ما أشبه، تجد إيميل ياهو أو جيميل، بعضهم يمتلك إيميل رسمي سواء لشركة أو مؤسسة أكاديمية، أمر غريب (رسالة إلى الأمم المتحدة لشخصيات علمية مع إيميل غير رسمي)، وحتى أكون على حسن ظن فيهم، سأعتبر أن أولئك الأشخاص لا يريدون أن يمثلوا الجهة التي يعملون بها، ففضلوا التواصل عبر إيميل شخصي.
أرسلت إيميل لتسعة أشخاص منهم، جاءني الرد من 4 منهم فقط، وإثنين آخرين رجع لي الإيميل منهم (Bounced)، إي لا وجود لإيميلاتهم الآن، والباقي لم يرد، طلبت منهم ذكر مخاطر 5G، فسطر بعضهم المخاطر من غير أي مصادر، رديت عليهم بطلب مصادر، ردت علي عالمة واحدة منهم إنها ستصنع صفحة للمصادر لاحقا، وإنها ستعلمني بها حينما تنتهي منها، تخيل إن هذه العريضة أرسلت للأمم المتحدة قبل عدة سنوات، والشخص الذي وقع على العريضة لم يجهز قائمة بالمصادر. شخص واحد أرسل لي صفحة المناشدة 5G الأحدث، والتي فيها مصادر، وواحدة لم ترسل لي مصادر نهائيا، والشخص الأخير أرسل لي بحث، سألته: أين نشره؟ فقال لي إنه غير منشور، أي إنني لا أستطيع الاعتداد به، هذا مستوى الثقة الذي حصلت عليه من بعض الموجودين على صفحة EMFScientist.
عودة إلى صفحة المناشدة 5G مرة أخرى، لأن الصفحة القديمة لم تكن جيدة، نظرت بعد ذلك في العلماء الذين وقعوا عليها، أردت أن أرى إذا كانت هناك جامعات أعرفها من قوتها، هناك دول كثيرة بطبيعة الحال، وأنا لا أعرف عن جامعتها شيء، فقررت أن أبحث فيما أعرف بقائمة الجامعات في أمريكا أو بريطانيا، هناك جامعات معروفة، ولكن لم تقفز في نظري جامعات كثيرة… ولكن لحظة، ما الذي أراه، إنها جامعة كامبريج، الدكتور الذي وقع على المناشدة هو براين جوزفسون (Brian Josephson)، بحثت عنه، وإذا به الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل عام 1973 في الفيزياء، واو! ممتاز، الآن وجدت شخص أستطيع أن أعتمد على رأيه.
راسلته مباشرة، وطلبت منه رأيه في شبكة 5G، خصوصا إنه وقع على المناشدة، فلابد بما إنه وضع اسمه عليها ذلك يعني أن سمعته على المحك، لا يمكن لشخص بهذا الحجم أن يوقع من غير دراسة.
لقد كان هذا رده على استفساري
عزيزي محمد،
شكرا كثيرا لاستفسارك، لم أدرس الموضوع بتفصيل كبير، ولذلك أفضل أن لا أعامل على إني مصدر موثوق، مجرد إنني أشعر إنه سيكون حذر حكيم، لمجرد إن شيء ممكن لا يعني أننا يجب أن نفعله، ونستطيع أن نعيش بجودة تامة من غير 5G. نحن نعلم إن حتى الضوء العادي له تأثيرات سيئة على الناس (ميلاتونين وما شابه)، التطور في العموم سيكون له أعراض جانبية (مثل استهلاك الكهرباء من المصادر الحاسوبية المتنوعة).
ولكني قرأت من قبل في العلاقة لتأثير الموجات الكهرومغناطيسية، عن طفل كان يسكن بالقرب من جهاز إرسال لشبكة اتصالات، وتأثر بشدة من الصرع، يوم من الأيام كان الطفل في حالة جيدة، فاكتشف أبواه لاحقا أن جهاز الإرسال كان مطفأ في ذلك اليوم، ولما أعيد تشغيله عادة له نوبات الصرع مرة أخرى.
براين
لقد كانت هذه هي رسالة الحائز على جائزة نوبل، صدمت منها، لم يبحث في الموضوع بما فيه الكفاية، ولكنه وقع على المناشدة، وأعطاني مثال سيئ للغاية على الضوء المرئي الذي يؤثر على النوم، للعلم الضوء الأزرق يؤثر على نومك، وهذا أمر معروف علميا، فمثلا الهاتف الذكي يبث الضوء باللون الأزرق بالإضافة إلى الألوان الأخرى، حينما تنظر للشاشة ستسقط فوتونات الضوء على عينيك، وتؤثر على افراز الميلاتونين، ولهذا يصعب على مستخدم الهاتف ليلا أن ينام بشكل جيد، (ولذلك حينما أجلس أمام الكمبيوتر أو الهاتف أستخدم نظارة قراءة تمنع بعض الضوء الأزرق من المرور إلى عيني، حتى أستطيع أن أنام بسرعة أكبر، وهذا هو التأثير الذي تحدث عنه).
ثم بعد ذلك سرد لي قصة، كدليل نوعا ما على ما يعتقده. وهذا أسوء ما يمكن أن يقدمه عالم كدليل، وقد تحدثت مرار وتكرار عن السرد القصصي، وكيف أننا لا نقبله في العلم، من يريد أن يعتمد على القصة فالدواوين والوتساب مليئة بالقصص التي لا تنتهي عن كل أنواع الأخطار لأشياء لم تمحص علميا، لقد كنت أريد أكثر من ذلك من عالم بهذه الضخامة، ولكني لم أحصل عليه منه.
وهنا توقفت عن البحث عن علماء آخرين، وقررت أن أركز على الأبحاث، الأبحاث هي المحك، وليس الأشخاص، نحن لا نقدس الأشخاص لكونهم حصلوا على جائزة نوبل، وإن كنا نعطيهم كامل الاحترام الذي يستحقونه في المجال الذي أبدعوا فيه، ولكن ليس هناك مجال لقبول رأيه طالما لم يكن قائما على علم.
ملاحظة مهمة: لا أدعي إن جميع العلماء على القائمة وقعوا من غير علم، ولا أدعي إنهم سيئون، لا أستطيع أستقط قياس من خلال مجموعة بسيطة من العلماء على البقية الذين لم أتواصل معهم، ولكن أنا متأكد أنه ليس هذا هو الطريق الصحيح للبحث في موضوع الصحة.
رأي المؤسسات الرسمية
لنذهب أبعد من قراءة الأبحاث فقط، لنتعمد على المؤسسات الرسمية، والتي قامت بتمحيص الأبحاث عن طريق علماء مختصين في المجال، وبصراحة قرأت الأبحاث، فكان بعضها مفهوما نوعا ما، ولكن غالبا لأنني غير متمرس في المجال لا أستطيع أن أقدم حكما واضحا عليها، وهذه هي مشكلتي مع من يدعي إن الأبحاث تدل على شيء، وهم لا يفهمون لغته، أنا مختص في الإلكترونيات، وأفهم في الاتصالات، ولكني لا أفهم في جميع الإلكترونيات، ولا أفهم في جميع الاتصالات، بإمكاني فهم الشيء بعد قراءة مستمرة، وبكل تأكيد لا أفهم في كيف توصل الباحثين إلى أضرار الشبكات على الصحة والسرطان وما شابه، هذه لغة مختلفة، وحساباتها خارج تخصصي، وأحتاج لسنة من القراءة حتى أصل لفهم الإحصائيات، إذن، أفضل طريقة الاعتماد على مؤسسات رسمية موثوقة التي نظرت في الأبحاث من الطرفين حتى أعرف خلاصة ما توصلوا له.
سأذكر خلاصة ما كتب في مواقع وIARC التابعة لمنظمة الصحة العالمية (World Health Organization WHO) وكذلك بعض المواقع الطبية مثل جمعية السرطان الأمريكية (American Cancer Society ACS) والمعهد الوطني للسرطان (National Cancer Institute NCI)،
جمعت منظمة الصحة العالمية 31 عالما، من 14 دولة، اجتمعوا مع بعض تحت مظلة IARC، وليس كل شخص يصرح من دولته كما حدث في مناشدة 5G، فحتى أنت تستطيع أن تدخل على الموقع وتوقع معهم من خلال الإنترنت من غير أن يكون لديك العلم الكافي في الموضوع، على العكس منظمة الصحة العالمية جمعت علماء ليبحثوا في الأبحاث العلمية لفهمها.[7]IARC Monographs on the Identification of Carcinogenic Hazards to Humans https://monographs.iarc.fr/iarc-monographs-meetings/
لنبدأ بأقوى تصريح وهو منهم وهو خلاصة بحثهم في الموجات الكهرومغناطيسية، استمع للتصريح جيدا، “هو (WHO)/ الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC) صنفت إشارات الترددات الراديوية الكهرومغناطيسية على إنها يحتمل أن تسبب السرطان في الإنسان (مجموعة 2B)، اعتمادا على زيادة خطر مرض غلايوما (Glioma) نوع من أنواع سرطان المخ الخبيث، مرتبط باستخدام الهاتف الخلوي.” هذا كان في بداية التقرير، وفي الخلاصة، ذكروا “الدليل، رغم إنه لا يزال يُجمع، قوي بما فيه الكفاية ليدعم الخلاصة وتصنيف 2B، الخلاصة تعني أن هناك ربما بعض الخطورة، ولذلك يجب أن نراقب بقرب العلاقة بين الهواتف الخلوية وخطورة الإصابة بالسرطان.”[8] IARC CLASSIFIES RADIOFREQUENCY ELECTROMAGNETIC FIELDS AS POSSIBLY CARCINOGENIC TO HUMANS https://www.iarc.fr/wp-content/uploads/2018/07/pr208_E.pdf
هذا هو تصريحهم، وهذا ما يستخدمه كل من يقف مع أضرار الاتصالات، للعلم هذه التصريح كان عام 2011، وسأمر على دراسة حديثة على الفئران أيضا ترتبط بهذه الفكرة، ولكن الآن لنفصل في هذا التصريح بحسب ما ذكروه أنفسهم بالتقرير، حتى لا يعتقد أحد إن هذا تفسيري الخاص. خصوصا أنني وجدت مواقع كثيرة استخدمت لغتهم الخاصة في تفسيره، منهم من ادعى إن منظمة “هو” صرحت بأن الموجات الكهرومغناطيسية تصيب الإنسان بالسرطان، وهذا غير صحيح.
تلاحظ أن هذا التصريح يذكر “يحتمل أنها تسبب السرطان في الإنسان (مجموعة 2B)”، هل كلمة “يحتمل” اعتباطية؟ وماذا يقصد بـ 2B؟
هناك أربع تصنيفات للمنظمة
- المجموعة الأولى: أن الشيء يسبب السرطان في البشر، والدراسات تبين إنه فعلا يسبب السرطان في البشر، أو إن الدراسات ليست كافية في البشر ولكنها كافية في الحيوان، وإن هناك أدلة إن ما حصل في الحيوان يمكن أن يحصل في البشر. وهذا ليس تصنيفهم بالنسبة للموجات الكهرومغناطيسية.
-
المجموعة الثانية وتنقسم إلى قسمين:
- المجموعة 2A، وهي أقل من المجموعة الأولى وأكثر من المجموعة 2B: تقول معنى أنها “من الممكن أن تكون مسرطنة للبشر”، وهذه المجموعة تُذكر حينما تكون هناك أدلة محدودة بتأثيرها المسرطن على البشر وأدلة كافية بتأثيرها المسرطن على الحيوان، أو تذكر حينما تكون هناك أدلة غير كافية بتأثيرها المسرطن على البشر، وأدلة كافية على الحيوان. وإن هناك أدلة إن ما حصل في الحيوان يمكن أن يحصل في البشر، وهذه المجموعة أيضا ليست ما توصل إليه المختصون عن الموجات الكهرومغناطيسية
- المجموعة 2B، أقل من المجموعة 2A، تقول إن معنى “من المحتمل أنها تسبب السرطان في البشر” إن هذه الجملة تذكر حينما تكون هناك أدلة محدودة بتأثيرها المسرطن على البشر، وأدلة ليست كافية على الحيوانات، أو من الممكن أن تذكر إذا كانت الأدلة غير كافية بتأثيرها المسرطن على البشر، ولكن هناك أدلة كافية بتأثيرها المسرطن على الحيوانات، وهذا المتسوى الثاني B هو المستوى المستخدم للموجات الكهرومغناطيسية.
ثم تأتي المجموعة الثالثة، والتي لا تصنفه على إنه مسرطن، والرابعة على إنه يحتمل أنه لا يسرطن، وهذا خارج نطاقنا، لذلك نبقى على المجموعة 2B.
أيضا ذكروا ماذا يعنون بـ”أدلة كافية وغير كافية”، وهذا أيضا مهم، لأنه يبين مدى الدقة، ثم بعد ذلك سأذكر الخلاصة، لأني أعلم أن رأسك صدع الآن بعد مرور كل هذا الوقت.
ماذا تعني كلمة أدلة محدودة؟ إنها تعني: “هناك ملاحظات لارتباطات إيجابية (طبعا لا يقصد ارتباط طيب، إنما ارتباط مؤكد، إن صح التعبير) بين التعرض للشيء والسرطان، وهذا ما يفسره الباحثين على إنه موثوق، ولكن الحظ، والانحياز، والإرباك لا يمكن استبعاده بثقة تامة” بعبارة أخرى، الباحثين الذين كتبوا الورقة العلمية يدعون إن هناك ارتباط بين الشيء والسرطان، ولكن جماعة IARC، لم يستطيعوا نفي انحيازهم أو خطأهم في البحث.
ماذا تعني إن هناك أدلة غير كافية؟ إنها تعني: “الدراسات غير كافية نوعيا، أو تناسقيا، أو إحصائيا للوصول إلى الخلاصة لوجود أو غياب الارتباط السببي بين التعرض للشيء والسرطان، أو إنه لا توجد أي معلومات على السرطان في البشر.
الخلاصة من هذا كله، بحسب IARC
إن كلمة “من المحتمل أن تسبب السرطان في البشر 2B” تعني إن الدراسات وإن ربطت التعرض للموجات الكهرومغناطيسية بالسرطان إلا أنها
- بالرغم من ربط الموجات بالتسبب بمرض البشر ولكنها قد تكون منحازة أو ليست دقيقة، والدراسات على الحيوان غير كافية.
- أو إن الدراسات على البشر غير كافية نوعيا أو تناسقيا أو إحصائيا، وهناك أدلة كافية على الحيوان.
أي إن في كلتا الحالتين ليست هناك أدلة كافية أو أبحاث منضبطة على البشر. وهذا ما لا يذكره لكم كل من يأخذ برأي منظمة الصحة العالمية، التفاصيل مهمة جدا، ومن غيرها لا يمكن أن تفهم الرسالة.
جمعية السرطان الأمريكية
الآن نأتي إلى جمعية السرطان الأمريكية، من ناحية، فهم أولا يأخذون برأي منظمة الصحة العالمية، تقول الجمعية: “إن جمعية السرطان الأمريكية لا تحكم باستقلالية على سرطنة التعرض بالدرجات المختلفة، إنما نعتمد على مراجعات IARC للأدلة لتوصياتنا” إذن الجمعية تعتمد على منظمة الصحة العالمية، وماذا تقول بعد ذلك: إن الأدلة محدودة، وإن البحث الإضافي مطلوب، ولكن إن كنت من القلقين من تأثير التعرض للإشارات الراديوية تستطيع أن تخففها باستخدام سماعات الأذن، وتخفف استخدام الهاتف الخلوي، وبالخصوص بالنسبة للأطفال.” وتقول أيضا: “لأن الأدلة غير مؤكدة، كل شخص عليه أن يقوم بالتغييرات المناسبة له”
وفي النهاية ذكروا على موقعهم: “من المهم أن نضع تصنيف 2B في المنظور، الكثير من الأشياء التي نتعرض لها تصنف في 2B، منها غاز العادم وحتى القهوة.” هذا الكلام كان في سنة 2011 أيضا مع خروج تصريح منظمة الصحة العالمية.[9]Otis Brawley responds to IARC Classification of Cell Phones as Possible Carcinogenic http://pressroom.cancer.org/releases?item=312
ولكن في عام 2014 أنزلت صفحة على موقعها يشرح تأثير أبراج الاتصالات، ومن يقرأ هذه الصفحة يجد أن جمعية السرطان الأمريكية تحاول بشتى الوسائل تخفيف المخاوف من سرطنة الأبراج، لن أخوض فيها، من يريد يستطيع زيارة الرابط التالي، فيه شرح بسيط وجميل وشاف لك صدر رحب.[10]Cellular Phone Towers https://www.cancer.org/cancer/cancer-causes/radiation-exposure/cellular-phone-towers.html
المعهد الوطني للسرطان
ماذا يقول المعهد الوطني للسرطان الموجات الكهرومغناطيسية؟ كما ذكرت سابقا بالنسبة لجمعية السرطان الأمريكية، المعهد الوطني للسرطان يعرض الأدلة ضد ومع الموجات الكهرومغناطيسية [11]Electromagnetic Fields and Cancer https://www.cancer.gov/about-cancer/causes-prevention/risk/radiation/electromagnetic-fields-fact-sheet ، وكلما عرض أدلة ضد الموجات الكهرومغناطيسية فندها بوجود عيوب فيها أو عدم اتفاق أو ضعف الدراسات، وكلما وضع أدلة مع الموجات الكهرومغناطيسية أكدها، وهذه أيضا دلال على إن المعهد يرجح كفة سلامة الموجات الكهرومغناطيسية بالطاقة المنخفضة المستخدمة فيها، طرح الموقع أنواع متعددة من الموجات الكهرومغناطيسية وحتى الموجات الصادرة من الأجهزة الكهربائية المنزلية، والواي فاي، وأبراج الاتصالات، وذكر دراسات على الأطفال والكبار والحوامل، وذكر دراسات على السرطانات المختلة من سرطان عنق الرحم وسرطان الدم، وما شابه، كلها تفنيد لأضرار الموجات الكهرومغناطيسية. وإليكم هذا الرابط الذي يبين رأيها بالتفصيل.[12]Cell Phones and Cancer Risk https://www.cancer.gov/about-cancer/causes-prevention/risk/radiation/cell-phones-fact-sheet
ما هي خلاصة الموضوع من المؤسسات والجمعيات الرسمية، إنها ترجح كفة السلامة على كفة الضرر، ولكن مع ذلك توصي بدراسات أكثر، لأن الكثير من الدراسات متناقضة حول الموضوع، وغالبا ما تكون الدراسات ضد الموجات الكهرومغناطيسية أضعف من أخواتها.
لا ننسى أيضا، إن كل هذه الدراسات كانت على الموجات الحالية في الغالب، ولا توجد دراسات كافية للجيل الخامس، فسننتظر دراسات الجيل الخامس حتى تذكر لنا المساوئ إن وجدت.
أقوى الدارسات التي يعتد فيها
طيب بعد كل هذا التطمين، ما هي أقوى دراسة على السرطان؟ والتي يعتد بها العلماء ويحترمها الجميع؟ هناك دراسة أساسية طويلة الأمد على الفئران من قبل الحكومة الأمريكية، وكلفت 23 مليون دولار، وهي دقيقة جدا جدا، ومحترمة من الجميع. [13]Report of Partial Findings from the National Toxicology Program Carcinogenesis Studies of Cell Phone Radiofrequency Radiation in Hsd: Sprague Dawley® SD rats (Whole Body Exposures) … Continue reading
درس العلماء تأثير موجات الاتصالات على الفئران، حيث عرضوهم لمدة 18 ساعة للموجات على أجسادهم بالكامل، عشر دقائق من التعرض ثم تليها 10 دقائق من غير التعرض (أو 9 ساعات يوميا)، من بداية الحمل بالجنين إلى مدة عامين كاملين، فلاحظ العلماء إن عدد بسيط منهم أصيب بالسرطان بالمقارنة مع الذين لم يتعرضوا للإشارات، كان هناك نوعان أساسيان من السرطان أحدهما في المخ، والآخر في القلب.
أقل قيمة للموجات التي تعرض لها الفئران كانت أكبر من أكبر قيمة يتعرض لها الإنسان، مدة التعرض كانت أكبر من المدة التي يتعرض لها الإنسان بشكل مستمر، والسرطانات التي تكونت فيهم أحدها نادر حدوثة في الإنسان.
هل هذه الدراسة مقلقة؟ بكل تأكيد إنها كذلك، خصوصا إن بعض العلماء يعتبرها سببية، أي إن موجات الاتصال (طبعا ما قبل 5G) تتسبب في السرطان، ولكن العلماء لا يعدونها دليلا على الإنسان، فكما إن الأدوية التي تجرب على الفئران وتنجح لا تترجم مباشرة إلى البشر لأنها قد لا تنجح، كذلك مثل هذه التجربة لا يمكن قياسها على الإنسان.
وكذلك استغرب العلماء إن هذه الدراسة، بينت إن إناث الفئران لم تصب بالسرطان مثل الذكور، ولا أحد يعرف السبب الحقيقي خلف هذا الشيء، والأمر الآخر إن الفئران التي عرضت للموجات عاشت فترة أطول من الفئران التي لم تعرض للموجات، وهذا أيضا أمر محير في الدراسة، ويحتاج لإقامة تجارب أخرى لمعرفة الأسباب. [14]Major Cell Phone Radiation Study Reignites Cancer Questions https://www.scientificamerican.com/article/major-cell-phone-radiation-study-reignites-cancer-questions/
ولكنها دعوة صريحة للعلماء للقيام بدراسات أكثر على الإنسان لمعرفة النتائج، وإن كان الأمر ليس بهذه السهولة، فيتساءل بعض العلماء، كيف سنطلب من البشر التعرض لموجات قوية لمدة عامين، نطلب من آخرين الامتناع عن استخدام الهواتف لنفس المدة، أمر يكاد يكون مستحيلا في هذا العصر.
ولكن في مقابل هذه الدراسة القوية عن السرطان في الحيوانات، هناك دراسة أخرى على البشر، أجرتها الدنمارك، حيث قامت بتتبع أمراض السرطان في 355,701 مستخدم للهواتف الخلوية الذين استخدموا الهواتف ما بين 1987 إلى 1995، وتابعوهم إلى 2007، وحسبوا نسبة الإصابة بالسرطان، وتوصلوا أنه لا توجد علاقة بين استخدام الهواتف السرطان [15]Mobile phone use and the risk of skin cancer: a nationwide cohort study in Denmark. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/23788669 ، وهناك أيضا دراسات تبين رغم ارتفاع استخدام الهواتف الخلوية على مدى السنوات إلا إن معدلات السرطان لم ترتفع لتوافقها.[16]Brain cancer incidence trends in relation to cellular telephone use in the United States https://academic.oup.com/neuro-oncology/article/12/11/1147/1138971
إذن الدراسات على البشر تدل على إن الموجات الكهرومغناطيسية بقوتها الحالية ليست لها القوة المسرطنة.
مع ذلك أعود وأكرر إن الدراسات ليست كافية، وتحتاج إلى دراسات أخرى، للوصول إلى نتائج أقوى.
ملاحظات أخيرة:
1. أي شخص يضع لكم بحث يدعي إنه يدل على إن شبكة الجيل الخامس مضرة، يجب عدم الأخذ بادعائه من غير تحري البحث نفسه، لأن غالبا ما ستجد هو نفسه لم يقرأ البحث كاملا، أو محص في النتائج بدقة، وقد مررت على بعض الأبحاث التي وضعت على التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام ووجدت إن ليس لها رابط يفتح الورقة نفسها لمعرفة التفاصيل، ثانيا، غالبا ما ستجد إن الورقة نفسها لم يذكر فيها إن العلماء توصلوا إلى إن شبكة 5G أو الشبكات السابقة مضرة، ستجد أشياء مثل: لا نعرف إن كانت الموجات ضارة أو غير ضارة، ولكنها لها التأثير الفلاني، أو ستجد إن الموجة امتصها الجلد أكثر، وهذا لا يعني إنها مسرطنة.
2. إذا لو فرضنا إن شخص وضع بحث، وأنت غير ومختص، وهو أيضا غير مختص تماما، حتى لو كان شخص مختص في الاتصالات، فهذا لا يعني إنه مختص أيضا في تأثير الاتصالات في الحيوانات أو البشر، فمثلا، أنا مختص في الاتصالات، وأعرف الموجات إلى الكهرومغناطيسية والكهرباء وما شابه، ولكن لا يعني إنني أفهم كيف يتم تحديد تأثير هذه الموجات على البشر، ولا حتى طرق الإحصاء التي تحسب.
طيب بهذه الطريقة، كيف إذن كيف نفهم مثل هذه الدراسات؟ الطريقة السليمة لذلك هي معرفة ما يذكره المختصون في تفسير هذه الدراسات، هناك لجان من مؤسسات رسمية تدرس هذه الأبحاث وتأتي بنتيجة نستطيع استهلاكها، إذن، لا تعتمدوا على رأيي الشخصي عن الدراسة، وهذا ما حاولت أن أقدمه لكم اليوم في الحلقة.
خلاصة الحلقة، أرجو عدم تصديق التهويل الذي تسمعونه وترون فيديوهاته على الإنترنت، حيث لا توجد أدلة مقنعة على أن الإنسان يصاب بالسرطان، ليس من دراسة أو دراستين، إنما من آراء المختصين، الموجات يحتمل أن تكون مسرطنة بحسب التفصيل الذي ذكرته IARC من WHO، والمسألة تحتاج إلى سنوات أخرى من الأبحاث لإثبات إنها فعلا مسرطنة في الإنسان.
وإذا كانت لديك أي مخاوف حتى بعد أن سمعت كل المعلومات التي قدمتها لك، فأنصحك كما نصحتك جمعية السرطان الأمريكية، وهو القيام بالتغيرات التي تناسبك، وجدت بعض النصائح على الإنترنت التي تدعوك لعدم استخدام التلفون كثيرا، وعدم وضعه بالقرب منك أثناء النوم، واستخدام سماعات الأذن، وهكذا.
أنت الآن تعرف لماذا تستمع للسايوير بودكاست، لأن المعلومات التي فيه مدعمة بالمراجع القوية، ولأن البودكاست يأتيك بعد جهد كبير في تتبع المعلومات.
لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!
المصادر
3 تعليقات