المصادم الهدروني الكبير (The Large Hadron Collider)
أتذكر حين تعرفت على أول معجل الجسيمات (Particle Accelerator) [1]معجل الجسيمات Particle Accelerator وأنا في سن الـ 13، كان لوالدي مكتبة تحتوي على العديد من الكتب العلمية، وكان أبسطها وأروعها الموسوعة العلمية البريطانية Understanding Science. مازلت أحتفظ في هذه الموسوعة بعد أن أهداني إيايها الوالد حفظه الله، وكانت تحتوي على الكثير من العلوم بشكل مبسط، ملئ صفحاته الرسومات التوضحية الرائعة والتي لا تزال في نظري من أفضل الرسومات التوضيحية على الإطلاق، وكانت الأمور تشرح بأمثلة لازلت أستخدم بعضها في شرح بعض الأمور في محاضراتي في الكلية في مجال الإلكترونيات. ومن طيات هذه الموسوعة اكتسبت حبا للفيزياء والكهرباء والإلكترونيات، ومنها تعلمت عن أول معجل الجسيمات.
لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!
معجل الجسيمات أيضا يطلق عليه مهشم الذرات، وفعلا يستحق هذه التسمية، ففيه تتعجل الذرات إلى سرعات هائلة قريبة من سرعة الضوء للتصادم ببعضا وتتفتت محتوياتها إلى الأجزاء الصغيرة لتكون باقة من الجسيمات، ولترسم بعد ارتطامها ببعضها رسمة جميلة لحركة الجسيمات المتناثرة.
أول معجل تعرفت عليه كان اسمه السايكلوترون (Cyclotron)[2]السايكلوترون Cyclotron، وقد أنشأ في سنة 1929، والفكرة العامة للمعجل هي أنه جهاز اسطواني الشكل ومفرغ من الهواء، تطلق في وسطه البروتونات أو الإلكترونات، ثم بوساطة المجال المغناطيسي والكهربائي يتم تسريع حركتها ثم تسير بحركة دائرية أو بالأحرى حلزونية إلى أن تتسارع إلى سرعات قريبة من الضوء، وأكبر سايلوترون في العالم موجود في جامعة بريتيش كولومبيا في فانكوفر في كندا، ومحيطه تقرييا 60 مترا. والهدف من مثل هذه المعجلة هو معرفة المكونات الأساسية للذرة، حيث كان الاعتقاد السائد آنذاك أن الذرة تحتوي على الإلكترون والبروتون والنيوترون، ولكن مع اصطدام الجسيمات ببعضها اكتشف العلماء أن الذرة أعقد بكثير، مثلما لو أطلقت كرة البليارد في بداية اللعبة على الكرات في الناحية الثانية من الطاولة، تتناثر الكرات بعيدا عن بعضها بعد أن ترتطم كرتك بها، وهكذا بالنسبة للذرات والمعجلات، حينما ترتطم الجسيمات بالذرات فإنها تتشهم، وتتفتت لإجزائها الصغير.
هناك أنواع كثير من المعجلات وتطورت على مر السنين، وكبرت، وتضخمت حتى وصلت إلى الحجم الحالي لـ المصادم الهدروني الكبير، والذي يعتبر أكبر مصادم ذري على الإطلاق بأكبر طاقة كهربائية على الإطلاق أيضا، فمحيط الدائرة التي ستنطلق فيها الجسيمات هو 27 كيلومتر (قارن هذا مع محيط المعجل في فاكوفر والذي طوله 60 مترا وليس كيلومترا)، وتصل مستويات الطاقة الكهربائية فيه إلى ارقام خيالية، وذلك لتسريع الذرات إلى سرعات هائلة، وهذه السرعة مطلوبة لأنها ستهشم الذرات بقوة أكبر وعنف أشد، بحيث يمكن الإجابة عن أسئلة أساسية ومبدئية في عالم الفيزياء، ومع إنشاء هذا المصادم الضخم والذي ينقسم بين دوليتن هما فرنسا وسويسرا وفي عمق حوالي 100 متر تحت الأرض انطلقت الإشاعات التي تدعي أن نهاية العالم والكرة الأرضية بتفعيل المصادم، حيث أنه سيخلق ثقوبا سوداء قادرة على ابتلاع الأرض.
أهداف المصادم الهدروني
ما هي أهداف إنشاء هذا المصادم الذي عمل على إنشائه 10,000 عالم ومهندس؟ الكثير من الأسئلة الأولية في الفيزياء وخصوصا عن بدايات الكون أو اللحظات الأولى بعد الإنفجار العظيم ستجاب بعد أن تنطلق العمليات التصادمية، ومنها أيضا أنه سيتم معرفة العلاقات للقوى بين مكونات الذرة، وايضا علاقة الميكانيكة الكمية والنظرية النسبية، ومما يبحث عنه علماء الفيزياء الجسيم المسمى بالهجز بوزون (Higgs Boson)، وهذا الجسيم سيعالج معرفة من أين أتت كتل الأجسام، وسيتم التعرف على ما إذا كانت هناك أكثر من بعد، وبالأحرى 11 بعدا بدلا من الأربعة الذين نعرفهم (الطول العرض الارتفاع والزمن).
بعد أن انتهى العلماء من بناء المصادم، تناولت وسائل الإعلام الموضوع بطريقة أدت إلى تفاقم الإشاعات حول نهاية العالم بتفعيل المصادم، حيث أن المصادم الهدورني الكبير سيخلق ثقوبا سوداء، وبما أن الثقوب السوداء – كما هو معروف – تبتلع كل شيء بقوة جاذبيته ولا يفلت منها شيء (تقريبا)، وكلما جذب شيئا والتصق بها كلما زادت قوتها، فتقوم بالالتهام التدريجي إلى أن تقضي على الأرض ومن عليها، والمعروف ايضا أن الثقوب السوداء في الفضاء الخارجي لها القدرة على امتصاص حتى النجوم وابتلاعها. ولكن هذه المخاوف ليست لها أي أساس من الصحة، والعلماء بينوا حقيقة هذه الثقوب السوداء، وأن هذه الثقوب السوداء صغير جدا جدا وستتحل وتتبخر بنفس السرعة التي تكونت فيها، وأن هذه الثقوب السوداء من هذا النوع الصغير تتكون يوميا بسبب الجسيمات السريعة التي تأتي من الفضاء الخارجي، ولو كان لها أي تأثير لتأثرت الأرض منذ زمن بعيد.
لمعلوماتك
هل تعلم ما هي حكاية المركبة الفضائية التي تم اكتشافها في سنة 1947، والتي سميت حادثة روزويل (Roswell Incident)؟ [3]Roswell Incident الخبر الذي نشر في ذلك الوقت أن مركبة تحطمت على الأرض في روزيل نيو ميكسيكو، وقام الجيش الأمريكي بانتشال جثث لفضائيين، وبقايا مركبة فضائية، ولكن الجيش الأمريكي بعد ذلك أنكر تلك الإشاعة، وأن الحقيقة أن هذه المركبة لم تكن سوى بالونة أرصاد جوية كانت تطير لعمل تجربة تحت المسمى موجل (Mogul) [4]Mogul، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا لا تزال نظرية المؤامرة التي تقول أن تلك فعلا كانت مركبة فضائية حقيقة.
ما هو تفسير إطلاق هذه البالونة إلى السماء؟ الدكتور موريس إيوينج (Maurice Ewing) أكتشف أن هناك طبقة من الماء في عمق 1000 متر في البحر قادرة على نقل الصوت إلى مسافات بعيدة المدى، وسميت هذه الطبقة سوفار (SOFAR) [5]SOFAR، فكانت الفكرة أنه في حالة الحرب لو أن طيارا سقط في وسط البحر، ما عليه إلا أن يرمي فيها كرة معدنية مفرغة من الهواء مصنوعة خصيصا لهذا الغرض، حتى إذا ما وصلت هذه الكرة إلى عمق 1000 متر تنفجر، فبدلا من أن يستعمل الطيار اللاسلكي لطلب النجدة فيكتشف، بإمكانه تفجير هذه الكرة في الماء، فيصل الصوت إلى اليابسة حتى على بعد 3000 ميل، فيتمكن الجيش من إنقاذ الطيار.
وهذه القناة الصوتية موجودة في طبقات الجو ايضا، ولذلك قام الجيش بتجارب في ذلك الوقت ليتنصت على الإتحاد السوفيتي ليتمكن من معرفة ما إذا فجر الإتحاد السوفيتي قنبلة نووية، فأطلق الجيش بالونات اختبار، وحتى يغطي على خبر سقوط إحدى البالونات قام بتلفيق قصة الفضائيين، ولكن لم تنجح هذه التجربة، واستبدلت بالقياس الذبذبات الأرضية.
المصادر