SW010 النظرية النسبية العامة
تكلمنا في البودكاست السابق عن النظرية النسبية الخاصة التي من خلالها تغير مفهوم الوقت والمكان بالنسبة لنا، فبدلا من الوقت والفضاء كل على حدة، أصبح الإثنان متلازمان لا يتفرقان عن بعضهما البعض لتكون لدينا وحدة واحدة متشابكة ومتداخلة منسوجة من والفضاء والوقت تحت عنوان واحد وهو الفضاوقت، وبعد أن كانت الأحداث التي تحدث في وقت معين كان يقال عنها أنها حدثت في نفس الوقت أصبح الوقت نسبيا مختلفا لكل الناظرين، وبعد أن كانت المقاييس التي نقيس فيها المسافات متساوية أصبحت كل المساطر مختلفة في الطول، وكذلك الكتل، كل ذلك يعتمد على الحركة النسبية بين الأجسام. وهذا الفضاوقت الذي ألهم به آينشتاين كان هو المرجع لحركة الأجسام، وكان الرقم الثابت في هذا الكون هو سرعة الضوء، تلك هي حدود السرعة الكونية القانونية، لا يوجد ما هو أسرع من ذلك، فبعد انطلاق قوانين نيوتن بسرعتها اصدمت بحائط آينشتاين، يا له من إلهام.
لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!
لكن لم تكن هذه الفكرة هي الفكرة الوحيدة التي أججت العالم، بل لم يصل آينشتاين إلى النجومية إلا حينما أُثبتت الفكرة التي تلت النظرية النسبية الخاصة، لم يكن ذلك إلا بعد 10 سنوات من النظرية، وبعد جهد جهيد، وبعد جهاد ونضال علمي مضني. فبعد الانتهاء من النظرية النسبية تفرغ آينشتاين لمشكلة كانت تتعارض مع نظريته، ولا تزال عالقة من الميكانيكة النيوتوينة، تلك المشكلة هي الجاذبية.
نحن نعرف أن الضوء له سرعة ثابتة يسير فيها في الكون، فهو لا يقطع المسافات لحظيا، فالشمس التي تبعد عنا 150 مليون كيلومتر ينطلق منها الضوء ليصل إلينا في وقت قدره 8 دقائق، في المقابل وحسب نيوتون فإن الجاذبية لحظية، وتأثيرها في أي نقطة في الكون مباشر لا يتأخر، فلو أن الشمس تبخرت من المجموعة الشمسية ولم يعد ما يجذب الأرض لأفلتت الأرض من الجاذبية الشمسية ولقذفت كما لو يقذف المقلاع الصخرة، وسيحدث ذلك في نفس اللحظة التي تختفي فيها الشمس، وهذا ما أقلق آينشتاين، فلو أنك في الصحراء تنظر إلى الشمس لأحسست بانفلات الأرض من جاذبية الأرض قبل أن ينقطع نورها عنك، وهذا متناقض مع نظريات آينشتاين النسبية.
جاليليو جاليلي [1]Galileo Galiliei العالم الذي كلنا نعرف تجربته الشهيرة والتي كما يقال أنه ألقى بكرتين مختلفتين في الوزن من برج البيزا في إيطاليا (فعليا جاليلو لم يقم بهذه التجربة كما هو مذكور) ليثبت أنهما سيسقطان بنفس العجلة، ويصطدمان في الأرض في نفس الوقت، وذلك ينطبق حتى على الريشة وكرة البولنج، إسقاطهما معا من الأعلى يوصلهما على الأرض في نفس الوقت (ربما أنت تقول أن الكرة تصل قبل الريشة، ولكن في الحقيقة لو أنه لم يوجد هواء لسقطا في نفس الوقت، فتأخر الريشة سببه مقاومة الهواء)، الفكرة الأساسية في هذه التجربة أن العجلة التي تسببها جاذبية الأرض هي رقم واحد والأجسام تتأثر به بنفس الطريقة، وهذه العجلة هي 9.81 متر/ثانية2. أي أن الأجسام تتحرك بسرعة متازيدة، ففي كل ثانية تزداد سرعة الجسم بمقدار 9.81 متر/ثاينة.
نأتي لاسحاق نيوتن [2]Isaac Newton ولقصته الشهيرة ايضا، تقول هذه القصة أن تفاحة وقعت على رأسه ليستلهم منها علاقة الجاذبية مع الأجسام. كما جاء على لسان نيوتون أنه استلهم نظريته للجاذبية بعد ما نظر إلى التفاحة وهي تقع، ولكنها لم تقع على رأسه، ومن التفاحة تساءل نيوتن إن كانت التفاحة تتأثر بالجاذبية، فلم لا يتأثر القمر بنفس الجاذبية على ارتفاعه في
السماء، وتتأثر حركته فيبقى في مداره بسببها؟ ومنه استخرج القوانين التي تحكم العلاقة بين الأجسام مع الجاذبية، واصبحت الجاذبية ذلك الشيء الخفي الذي له تأثير على مدى مسافات هائلة.
تمثال لنيوتن في متحف جامعة أكسفورد، بين قدميه تفاحة |
آينشتاين والجاذبية
في حوالي 1907 أصبح آينشتاين مهووسا في تكوين نظرية جديدة للجاذبية، ولكنها لابد أن تكون تتماشا مع نظريات نيوتن ولكنها لا تتعارض مع النظرية النسبية. كانت هذه أصعب مرحلة لآنيشتاين، فاحتوت مفكرته على الأفكار الغير مكتملة، وأخطاء صغيرة أرسلته في متاهة، حلول صحيحة اكتشف بعدها بفترة أنها غير صحيحة. وفي سنة 1915 وبمساعدة بسيطة من صديقه والعالم البروفيسور مارسل جروسمان Macel Grossmann [3]Macel Grossmann ألف ورقته التي آتت ثمارها العلمية Fabric of the Cosmos [4]Fabric of the Cosmos.
|
الصفحة الأولى من ورقة آينشتين يشرح فيها النظرية النسبية العامة |
مبدأ التكافؤ
في النظرية النسبية الخاصة وضع آينشتاين الأسس لفكرة النسبية في الحركة بين الأجسام، فلو قلنا أنك منطلق بمركبة فضائية في الكون في مكان من الكون بعد انطلاقك من الأرض واتجاهك إلى حيث لا تستطيع رؤية نجمة واحدة في السماء، هناك تتساءل، هل مركبتي متوقفة أم أنها لازالت تسبح في الفضاء؟ كيف لك أن تعرف؟ عادة حتى تعرف ماذا كانت المركبة التي أنت فيها تتحرك تقارنها بشيء آخر، فما هو وجه المقارنة الآن؟ طيب إذا مرت مركبة أخرى بجانب مركبتك، ستتساءل، هل مركبته تسير والأخرى متوقفة، أم أنها هي المتحركة ومركبتك المتوقفة أم أن كلاكما تسيران بالنسبة لبعض؟ ربما حدث لك موقف مشابه، فكنت في سيارة متوقفة عند الإشارة فإذا بالسيارة التي أنت فيها تتراجع إلى الوراء، وبعدها استغرابك بفترة وجيزة تكتشف أن السيارة التي أنت فيها متوقفة والسيارة التي بجانب سيارتك تتحرك إلى الأمام.
الوضع يختلف مع الحركة المتعجلة فأنت تحس إذا ما كانت السيارة تتعجل بك، ففي بداية الحركة وعند الضغط على دواسة البنزين ستتراجع إلى الوراء لتلتصق بالكرسي الخلفي. أو حينما تكون في المصعد في بداية الصعود ستحس أن المصعد يضغط على رجلك من الأسفل، كل ذلك بسبب التعجل في الحركة. مع ذلك فقد اكتشف آينشتين أن هناك تكافؤ بين فكرتين، الأولى هي العجلة التي تتسبب بها الجاذبية، وبين العجلة التي تتسبب بها حركة الأجسام.
لنفترض أنك في غرفة صغير بحجم المصعد، وفألقيت بكرة، واتجهت الكرة إلى الأسفل، اعتبر أن الغرفة ليست بها أي شبابيك ولا تعلم ما إذا كنت على الأرض أو في الفضاء الخارجي، نتساءل الآن، هل هذه الغرفة على الأرض فتسببت الجاذبية بجذب الكرة إلى أرض المصعد، أم أن السبب في المصعد يتعجل في الحركة إلى الأعلى حاملا إياك معه، وحينما ألقيت بالكرة ارتفع المصعد إليها؟ هل تذكر اللقطات التي يلقي رواد الفضاء بما في أيديهم لتسبح في الفضاء؟ ماذا سيحدث لو أن المركبة منطلقة بعجلة؟ بطبيعة الحال ستسقط تلك الأشياء إلى أرض المركبة بسبب العجلة. ماذا يحدث لو أن المركبة تنطلق بعجلة قدرها 9.81 متر/ثانية2 وأنت واقف على ميزان يقيس وزنك؟ سترى أن قراءة الميزان لوزنك هي نفس القراءة لو أخذت على سطح الأرض. هنا يتكافأ عمل الجاذبية مع الحركة المتعجلة. من هذا المبدأ طور آينشتاين فكرة الإلتواءات في الفضاوقت، لفهم هذه الفكرة من المثال التالي.
تخيل لو أن عندك قطعة من الإسفنج (من النوع الأصفر والتي عادة تستخدم في صناعة الفراش)، ولتكن بحجم الفراش، وتخيل أنك دحرجت على هذا الإسفنج كرة صغيرة، ستتحرك الكرة في خط مستقيم من البداية إلى النهاية، حيث لا توجد أي مؤثرات (دعك عن الاحتكاك)، أحضر 3 أو 4 كرات من كرات البولنج المختلفة الأوزان ووزعها على الإسفنج، بسبب ثقل هذه الكرات سينخفض الإسنفج إلى الأسفل متقعرا بثقل كل كرة، ومستوى الإنخفاض أو التقعر سيكون على حسب ثقل كرة البولنج، الأن، دحرج الكرة الصغير على الإسفنج، ماذا سيحدث لها؟ اعتمادا على سرعتها أحيانا ستمر بالقرب من الكرة من كرات البولنج، فتمر خلال التقعر لتستدير مع استدارته وتنطلق من التقعر بعد انحناء مسارها عن استقامته، وربما تفلت من التقعر هذا لتمر على تقعر آخر لكرة بولنج أخرى، ومن الممكن أن تمر في تقعر
ولا تخرج منه، فتبقى تدور فيه إلى أن تقع في الوسط وتصطدم بكرة البولنج. هذا التشبيه قريب من حيث المعنى لفكرة آينشتين.
بالنسبة لآينشين أنه في الحقيقة لا توجد جاذبية ولكن الأجسام تسقط في هذه الإلتواءات التي تخلقها الكتل الكبيرة، مع فارق التشبيه من حيث أن المسار التي سارت فيه الكرة الصغيرة في المثال كان في بعدين، بينما الإلتواءات الموجودة في الفضاء هي في 3 أبعاد، والفرق الآخر أنه لا يوجد احتكاك في الفضاء الخارجي بينما الإسفنج يؤثر يقاوم حركة الكرة الصغيرة ويخفف من سرعتها. فالمضلي حينما يسقط سقوطا حرا إنما هو يتزحلق في هذا الانحناء الذي سببته الأرض في نسيج الفضاوقت. ووضع آينشتاين هذه القوانين على شكل معادلات سميت بمعدلات آينشتاين للمجال Einstein Field Equations [5]Einstein Field Equations
التجراب التي دلت على صحة النظرية النسبية العامة
في هذه الإنحناءات حتى الضوء لا يستطيع الهروب، فهو أيضا ملزم بالإنحاء، فالضوء لا يسير في خط مستقيم حينما يمر في مجال الجاذبية، فهو ينحرف حينما يمر بكتل كبيرة كالشمس، فلو أن نجوما مختبئا وراء الشمس فإن الضوء المنطلق منه سيتجه بجانب الشمس وينحني بجاذبية الشمس لنراه، ولكن كيف يمكن عمل هذه التجربة على أرض الواقع؟ هذا ما فعله السير آرثر إيدنجتون (Sir Arthur Eddington) [6]Sir Arthur Eddington الفيزيائي الفلكي، حيث نظم رحلتين لمشاهدة كسوف الشمس في سنة 1919 بحيث يمكن له اختبار نظرية آينشتاين العامة، وهذا ما فعله بالضبط. حيث أمكنه رؤية النجوم حوالي وخلف الشمس بسبب تغطية القمر للشمس (الكسوف). فانفجرت شهرة آينشتاين في بعد نجاح التجربة، ووصل إلى مرحلة النجومية العالمية.
وحتى في قضية المسار الفلكي للكواكب حول الشمس فقد استطاعت النسبية العامة أن تحدد الشكل الإهليجي لمسار للكواكب والتي لم تكن نظرية نيوتن قادرة عليه. فالرسم التوضيحي التالي يبين حركة كوكب حول الشمس حسب قانون نيوتن بالخط الأحمر، بينما الخط الأزرق يبين الحركة الحقيقة للمدار حسب النسبية العامة.
ومنذ ذلك الوقت إلى الوقت الحالي التجارب اصبحت أدق بكثير وأثبتت النظرية بما لا يدعو للشك.
ننتهي عند هذه النقطة، ويمكنكم مشاهدة اللقطات التالية التي فيها توضيح أكثر للنظرية النسبية.
المستجدات العلمية والتكنولوجية
+ استطاع العلماء في جامعة كاليفورنيا من التحكم في طيران حشرة الخنفساء بالتحكم البيعد (ريموت كنترول)، فبتركيب جهاز على ظهر الخنفساء يرسل إشارات كهربائية إلى عضلاتها بحيث يؤثر على حركة الحشرة يمنة ويسرةن هذه الفكرة ليست فريدة من نوعها، ولكن ما يميزها هو أنه يمكن التحكم في الحشرة عن طريق اللابتوب من بعد.
+ في جامعة يو سي بيركلي صنع العلماء روبوت على شكل صرصور [7]Cockroach-Inspired Robot Survives 8-Story Fall Will Outlive Us All بحجم 10 سم وبوزن 16 غرام، بإمكانه تحمل السقطات من علو 8 طوابق، ويتحمل أيضا الضغطات وذلك يعود لتركيبته المرنة.
+ مخترع المكنسة الكهربائية الرائعة دايسون اخترع مروحة غريبة [8]James Dyson’s latest invention: bladeless fan ، هذه المروحة ليست لها مراوح تقليدية،
فلا توجد في وسطها المروحة ذات الثلات شفرات، على العكس وسطها مجوف، ولكنها تنفخ الهواء بكفاءة كما يزعم.
هااااااائل….
بمعنى أن الجاذبية التي نشعر بها على الأرض ليست مصدرها الأرض وإنما الألتواء الذي تدور الكرة الأرضية في فلكه!!