حرب الثقوب السوداء و الكون الهولوغرافي الثنائي الأبعاد 2، ومقابلة مع العالم أحمد المهيري
ذكرت في الحلقة السابقة ملخصا عن الثقوب السوداء، وقانون حفظ المعلومات، وكيف أن ستيفن هوكنج أنتج بحثا علميا يبين فيه أن الثقب الأسود يتبخر، وحينما ينتهي لا تبقى أي معلومات عن الأشياء التي دخلت بداخله، تسبب هوكنج بربكة بين العلماء، لا سيما العالم ليونارد ساسكيند، والذي حاول على مدى 40 عاما أن يكتشف حل للمشكلة. نعود مرة أخرى، ونكمل المشوار حيث كنت في المرة السابقة.
كنت أتحدث عن المعلومات، وبينت أصغر ما هو أصغر قدر يمثل المعلومات ألا وهو مساحة ثابت بلانك، الآن نتأتي لتفصيل أكثر إيضاحا لما هو مقصود من قانون حفظ المعلومات؟ قبل أن تأتي قوانين ميكانيكا الكم التي تتحدث عن الأشياء الصغيرة جدا، كانت هناك قوانين نيوتن، ومعها كان الاعتقاد السائد أن التنبؤ في المستقبل هو أمر ممكن، فمثلا لو ضربنا كرة على طاولة بليراد لتصطدم بكرة أخرى، ثم تتحرك تلك الكرة بزاوية معينة لتسير في خطا تصادم مع كرات أخرى، مما يؤدي إلى سقوط تلك الكرات في جيب الطاولة، فإننا حينما نقوم بذلك إنما هو بتخطيط مسبق لإدخال الكرات إلى المكان الذي كنا نودها أن تدخل إليه، ومن ضمن التخطيط المسبق أردنا أن تقف الكرة البيضاء في مكان محدد بعد اصطدامها الأول، حتى نستطيع أن نضرب بها كرات أخرى في المرة القادمة، فحينما نريد أن نضرب الكرة البيضاء فسنقدر الوجهة التي سنحركها إليها، وكذلك القوة التي سندفعها باستخدام العصاة، فلا نضربها بقوة كبيرة جدا، ولا بقوة منخفضة جدا، بل نضربها بقوة مناسبة لتحقيق المطلوب. نَجَم هذا التخطيط الدقيق من معرفتنا بأن قوانين الفيزياء دقيقة جدا، وستُطبق بدقة متناهية، لذلك نخطط للمستقبل، ولو لم تكن القوانين دقيقة جدا لما كان للتخطيط أي معنى. وهذا بحسب نيوتن.
والعكس أيضا بالعكس، لو أن أحدا شاهد الكرات وهي تتحرك في جهة معينة وبسرعة معينة، فسيمكنه أن يقلب الخط الزمني ليتنبأ من أي جهة أتت تلك الكرات، حتى إذا ما وصل إلى الكرة البيضاء التي تحركت أولا علم ما مقدار القوة والوجهة التي تحركت بها. إذن، قوانين نيوتن هي هي من حيث التنبؤ في المستقبل، ومن حيث التنبؤ في الماضي، فلا فرق بينهما.
ولكن حينما أنشأ علم ميكانيكا الكم أصبح التنبؤ في المستقبل والماضي أمر لا يمكن الحصول عليه، بالخصوص إذا ما قمنا بقياس معلومات الجسيمات، على سبيل المثال لنقل أن لدينا ورقة مثقبة، وأضأنا عليها ضوء ليزر بحيث نطلق فوتونا واحدا تلو الآخر، ليدخل الفوتون بداخل الثقب، ووضعنا شاشة أمام الورقة المثقوبة، فسيمر الفوتون من خلال الفتحة، ويصطدم بالشاشة في نقطة معينة، لنقل أننا سجلنا مكان هذه النقطة، ولنفترض أننا علمنا السرعة التي كان يتحرك بها الفوتون في لحظة الاصطدام بالشاشة، ولنقل أننا أردنا معرفة من أي زاوية دخل الفوتون من الثقب، لن نعرف ذلك، وكأن الفوتون يخفي معلوماته بعد أن يتم قياس معلوماته، السبب يعود لكون المعلومات التي قمنا بقياسا لا يمكن قياسها بدقة متناهية، فقوانين هايزنبريغ لا تسمح بذلك.
لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!
ولكن حتى في ميكانيكا الكم، لو أننا لم نقس معلومات الجسيمات الصغيرة سنتمكن من معرفة ماضيها، أي أن معلومات الجسيمات محفوظة حتى في ميكانيكا الكم، ولكن بشرط عدم قياسها، وهذه خاصية في الجسيمات الصغيرة لابد من تقبلها كما هي، هذه هي إحدى معضلات ميكانيكا الكم. بالطبع فإني لابد أن أذكر ملاحظة مهمة، أن المقصود في معرفة ماضيها هو المعرفة التي تتجسد باستخدام الرياضيات، وليس من حيث القياس، وهذه هي خاصية مهمة يجب الانتباه لها.
وهنا يأتي موضوع حفظ المعلومات، وهو أن معلومات الماضي تدل على ما سيحدث في المستقبل وأن المستقبل يدل على معلومات الماضي، لا تضيع هذه المعلومات من هذا الكون نهائيا، ولكن في حال الثقوب السوداء، فإن الجسيمات تغوص إلى داخل الثقب الأسود، ولا تخرج منه، ولكن معلوماتها موجودة بالداخل، وحينما يحدث انشقاق الجسيمات على أفق الحدث وتدخل طاقة سالبة إلى داخل الأفق فإن المعلومات تتبخر تدرجيا، فتذهب جميع المعلومات المخزنة بداخل الثقب، فلا يبقى لها أثرا لها، فأين ذهبت؟ (راجع الحلقة السابقة لتعرف ماذا أقصد بتبخر الثقوب السوداء).
في عام ١٩٩٧ وبعد مؤتمر كان فيه مجموعة من العلماء منهم ستيفن هوكنغ وكيب ثورن (أذكركم بكيب ثورن، هو العالم الذي أسس مرصد اللايغو، ومن خلاله كشف عن الموجات الجاذبية، وهو أحد منتجي فيلم انترستلر وكذلك الفيزيائي المشرف على المعلومات التي فيه، وقد كان لي الشرف بمقابلته في السايوير بودكاست في الحلقة 117) وليونارد ساسكيند وجون بريسكيل (Preskill)، تراهن ستيفن وثورن من طرف مع بريسكل من طرف آخر على قانون حفظ المعلومات، كان يعتقد بريسكل أن المعلومات ستبقى وأن ستيفن مخطئ، وكان الرهان على أن يقدم الطرف الخاسر موسوعة بحسب ما يطلبه الطرف الرابح. وبقي هذا الرهان ينتظر إلى سنوات طويلة.
معلومات على أفق الحدث
قام العالم جيكوب بكينستاين مع ستيفن هوكنج بحساب نمو حجم الثقب الأسود، حينما يقال “حجم الثقب الأسود” فلا يقصد بذلك حجم نقطة التفرد، فحسب قوانين آينشتين التفرد لا نهائي الصغر، المقصود بحجم الثقب الأسود هو حجم أفق الحدث، تساءل بكنستاين، ماذا يصبح حجم الثقب الأسود كلما أضيفت إليه مادة جديدة؟ ولكي يبسط الأمور تساءل: كم يكبر الثقب الأسود لو أضيف له فوتون واحد؟ بهذا يمكن وضع قوانين رياضية مبسطة للإجابة على السؤال.
بعد أن قام بمعالجة مجموعة من القوانين الرياضية توصل إلى إجابة تقريبية، وبعد سنوات من ذلك قام العلماء بتحسين الإجابة، وقد كشفت قوانين بكنشتاين أن مساحة أفق الحدث تكبر بقدر ثابت بلانك مربع حينما يبتلع الثقب فوتونا واحدا. انتبه، حيث أن هذه النقطة عميق في مضمونها الفكري، فحينما تضاف نقطة ضوء واحدة فإن مساحة أفق الحدث تكبر مربع ثابت بلانك، أو بعبارة أكثر أهمية، لو أننا أضفنا قدر معلومة في الثقب الأسود فإن “مساحة” أفق الحدث تكبر، وأخيرا، بصياغة تجعل الموضوع أكبر أهمية، “المعلومات تساوي المساحة” يقول ليونارد ساسكيند، ويبين وكأنه حينما نضيف وحدة واحدة من المعلومات إلى الثقب وكأننا وضعناها على سطح كرة أفق الحدث، كما لو كانت هناك طاولة وعليها عملات معدنية وأدخلنا بينها عملة جديدة، فإن هذه العملة تكبر المساحة التي تغطيها هذه العملات. الفرق بين العملات المعدنية على الطاولة هو أن العملة تقع تقبع على السطح، أما الضوء فيدخل إلى داخل أفق الحدث، ولكن يكبر الأفق بقدر ثابت بلانك. ولكن سيتضح بعد قليل أن هناك تشابها كبيرا بين مثال العملات مع دخول الضوء إلى الثقب.
علينا أن نفهم الثقب الأسود وأفق الحدث بطريقة أفضل حتى نفهم ما الذي تكبر مساحته، لنفترض أن إيمان وبدر اكتشفا ثقبا أسود وأرادا أن يدرساه عن قرب، ركبا مركبة فضائية وتوجها بسرعة كبيرة إلى أن وصلا إليه، بعد نقاش طويل حول من سيدخل الثقب الأسود قرر بدر أنه سيدخل إلى الداخل ليدرس الثقب، وستبقى إيمان في الخارج تراقب ما سيحدث له. لبس رداء الرواد، وخرج من المركبة الفضائية، وبقيت المركبة في حالة دوران حول الثقب، وانطلق ناحية أفق الحدث، جذب الثقب بدر حتى أدخله إلى داخل أفق الحدث، لم يشعر بشيء، وذلك لأنه لا يوجد أي فارق بين قبل أو بعد الدخول إلى داخل الثقب الأسود، لا يوجد خط فاصل، ولا توجد كرة شفافة مثلا، في محيط الثقب، أين ذلك الشيء الذي يطلق عليه أفق الحدث؟ أراد بدر أن يبعث برسالة إلى إيمان باستخدام اللاسلكي، ولكنه لم يستطع فعل ذلك، فتذكر أن بحسب قوانين آينشتاين بمجرد أن يدخل إلى داخل أفق الحدث لن يخرج منه، إنها رحلة في وجهة واحدة لكل الأشياء، حتى الموجات اللاسلكية الكهرومغناطيسية والتي تتحرك بسرعة الضوء، هي أيضا لا تستطيع الخروج من الثقب.
هكذا بالضبط ما يراه بدر حينما يسقط بداخل الثقب الأسود، لن يرى أي تغير، سيدخل إلى داخل أفق الحدث ولن يشعر بأي شيء غريب (خصوصا إن كان الثقب كبيرا جدا فإنه قد يستغرق ساعات قبل أن يصل إلى نقطة التفرد لتبدأ الجاذبية بتحطيم جسده، بالطبع لو كان الثقب صغيرا، فبمجرد دخوله إليه سيتمزق بدر بسرعة)، أفق الحدث هو خط يُعبّر عن حدود الثقب الأسود، أو النقطة التي لا عودة بعدها، مثل الحدود بين الدول، والتي ليس عليها سياج، حينما يمر الشخص عبر الحد الفاصل بين الدولتين فسينتقل من دولة إلى أخرى، وإن لم ير خطا واضحا معبرا عن انتقاله إلى الدولة الأخرى، لكن بمجرد دخوله إلى الدولة الأخرى ستنطبق عليه قوانين تلك الدولة.
ولكن ما الذي تراه إيمان حينما يدخل بدر إلى أفق الحدث؟ من وجهة نظر بدر فقد دخل إلى داخل أفق الحدث، ولم يحدث أي شيء غريب، ولكن من وجه نظر إيمان، فإن بدر كان يقترب تدريجيا من أفق الحدث فيتباطء شيئا فشيئا حتى إذا ما اقترب من سطح أفق الحدث التصق به، ولم يسقط بداخله، وظل معلقا هناك إلى الأبد. صورتين متناقضتين، في الأولى يدخل بدر إلى داخل الثقب الأسود ويعبر أفق الحدث، والثانية لا يدخل إلى ما بعد أفق الحدث، بل يلتصق على سطح الأفق.
ما هي الصورة الصحيحة؟ تخيل السيناريو التالي، أنت جالس في المنزل تنتظر حضور صديقك بدر، إيمان جارتك تراقب منزلك، رأت بدر يأتي إلى الباب، ويضغط على الجرس، لكنك لم تفتح له الباب، انتظر على الباب طويلا، في المقابل، أنت بداخل المنزل تسمع الجرس، تذهب للباب وتدخل بدر إلى الداخل، وتجلس معه. إيمان رأت أن الباب لم ينفتح نهائيا، وبقي بدر يطرق الباب طوال النهار إلى الليل، وأنت في المقابل أدخلت بدر بمجرد أن ضغط على الجرس. كيف ذلك؟ تخيل الآن أنك ترى إيمان في اليوم التالي، فتقول لك: “لماذا لم تفتح الباب لبدر؟ لقد ضغط على الجرس طوال اليوم” وأنت تنظر لها باستغراب: “ماذا تقصدين؟ لقد فتحت له الباب، وجلسنا إلى الليل نتبادل أطراف الحديث”.
من فيكما يقول الحق؟ الصحيح أن كلاكما أنت وإيمان على حق رغم تناقض النظرتين للموضوع. فبدر لم يدخل إلى البيت، وبدر دخل إلى البيت، ولكن كل حالة بحسب وجهة مختلفة، من زاوية إيمان بدر لم يدخل، ومن زاويتك بدر فقد دخل. أطلق لينوارد ساسكنيد على هذه الفكرة اسم Complementarity أو التكامل. نفس هذا الاصطلاح يستخدم في ميكانيكا الكم، حيث يوجد تناقض بين حالتين للشيء، فمثلا الضوء هو موجة أو جسيم، ولكن بمجرد قياسنا للضوء سنراه على إحدى حالتيه، لن نستطيع بأي حال من الأحوال قياس الحالتين معا. وهكذا بالنسبة لحالة بدر ودخوله إلى الثقب الأسود، هو دخل وهو لم يدخل، الآن يجب الانتباه لشرط أساسي لتحقق صحة التكامل، وهو أنه كما في حالة الضوء فإن حالة واحدة يمكن قياسها عند أي طرف في موضوع الثقب الأسود، ولا يمكن أن يكون هناك أي تبادل للمعلومات.
أي أن إيمان حينما تقيس حالة بدر فإنها تراه على أفق الحدث، وحينما يقيس بدر حالته فسيجد نفسه بداخل الثقب الأسود، ولكن لا يمكن لبدر وإيمان إرسال رسالة لبعضهما للإبلاغ عما يرونه، ذلك أمر محال، وطالما هذه الاستحالة موجودة فإن التناقض يرتفع، ولا يكون هناك أي تناقض في المعلومتين. أمر محير بقدر الحيرة التي نقع فيها عند محاولة فهم ميكانيكا الكم.
لنعود لنظرة إيمان وهي خارج أفق الحدث لبدر، لماذا لا يدخل بدر إلى الداخل أبدا من وجهة نظرها؟ ذلك يعود لقوانين النسبية العامة لقوانين آينشتاين، لنتذكر مبدأ من مبادئ النسبية العامة وهو اختلاف الوقت بالنسبة للناظرين المختلفين. إن كنت قد شاهدت فيلم إنترستلر ستتذكر أن كوبر وزملائه هبطوا على كوكب بالقرب من الثقب الأسود غارغانتشوا، وبقي رائد الفضاء روميلي (Romilly) ينتظرهم بعيدا عن الثقب، بقي فريق كوبر على الكوكب سويعات، وحينما عادوا إلى المركبة حيث كان روميلي، تبين لهم أنه في هذه الساعات القليلة كبر 23 سنة، الجاذبية تغير من الوقت، وكلما كانت الجاذبية أكبر، وكنا أقرب الجسم الجاذب كلما تباطأ الوقت بالنسبة للناظر البعيد، وإن كان كلا الطرفين – في هذه الحالة كوبر وفريقه وروميلي – لا يشعران بأي تغير زمني لأنفسهم.
بالنسبة لبدر الذي توجه للثقب الأسود، حينما تنظر إليه إيمان ستراه وهو يقترب إلى أفق الحدث، وكلما اقترب إليه كلما رأته يتباطأ بالسرعة، فوقته يطول مع اقترابه، وإذا ما وصل إلى أفق الحدث فإن يصل إلى مرحلة ليتوقف تماما… بالطبع هذا بالنسبة لإيمان، أما بالنسبة لبدر، فهو يتحرك كالمعتاد، فلا يشعر هو بأي فارق، بل يتحرك إلى أن يدخل الثقب الأسود بعد أفق الحدث، ما تراه إيمان في هذه المرحلة ليس إلا طبعة لبدر على أفق الحدث، لقد بقيت معلوماته هناك، لم يبتلعها الثقب بتاتا، بينما من وجهة نظر بدر فقد ابتلع الثقب معلوماته، تناقض، ولكن هذا ما يحدث.
أذكركم بالعملة المعدنية على الطاولة، حينما وصل بدر إلى الثقب طبع على أفق الحدث، وبما أنه دخل إليه فقد اتسع أفق الحدث قليل ليشتمل على طبعة بدر، كما في العملة المعدنية حينما توضع في وسط عملات معدنية أخرى، لابد من زيادة المساحة لكي تستوعب العملة.
بهذه الفكرة العبقرية، استطاع ليونارد ساسكيند والفيزيائي الكبير جرارد إيتهوفت – حائز على جائزة النوبل، طرح فكرة عدم ضياع المعلومات بسبب وجودها على سطح أفق الحدث، فقدان المعلومات أمر لا يمكنه الحدوث. لماذا لأن المعلومات من وجهة من هو خارج الثقب الأسود لم تدخل إلى داخل الثقب، بل بقيت على الحدود… على أفق الحدث. بل أكثر من ذلك، فقد قام بشرح كيف أن تبخر أفق الحدث يعيد هذه المعلومات الموجودة على السطح إلى الكون مرة أخرى، فصحيح أن المعلومات ستكون ملخبطة بالكامل، إلا أنها لا تزال موجودة.
بهذه الفكرة استطاع أن يتغلب على فكرة ستيفن هوكنغ التي كانت تدعي ضياع المعلومات، وفي عام 2004 وذلك بأقل من عشر سنوات لنشر ستيفن ورقته التي يشرح فيها كيف أن المعلومات لا تضيع (التي بدأت فيها الحلقة السابقة)، أعلن هوكنغ عن خسارته للرهان، وقدم لجون بريسكل موسوعة لعبة البيسبول (Total Baseball, The Ultimate Baseball Encyclopedia)، وقال هوكنغ مازحا: “أعطيت جون موسوعة البيسبول، ربما كان من المفروض أن أعطيه رمادها” يقصد بذلك أن المعلومات التي تتبخر من الثقب الأسود، وإن كانت تمثل المعلومات التي دخلت إليه، إلا أنها في حالة من اللخبطة بحيث تصبح عديمة الفائدة.
الكون الهولوغرافي مرة أخرى
بعد أن بين ليونارد ساسكيند وزملاءه أن المعلومات تحفظ على أفق الحدث، وأن ذات المعلومات دخلت إلى داخل أفق الحدث، هذا يعني أن الأشياء التي بالداخل هي هي الأشياء التي على الأفق، لا فرق بينهما، أي أن المعلومات الثلاثية الأبعاد هي ذاتها المعلومات المطبوعة على مساحة ثنائية الأبعاد، ولكن كيف يمكن لمعلومات ثنائية الأبعاد أن تمثل معلومات مطابقة لها ثلاثية الأبعاد؟ فكر قليلا في النقطة هذه، تخيل أن لديك مكتبة كبيرة، وبداخل المكتبة كتبا، ولنفترض أن الكتب تملأ المكتبة بالكامل بحيث لا يكون فراغ بينها، ولنقل أن هذه الكتب تحتوي على كلمات متراصة مع بعضها، ولا توجد أي صفحات فارغة، كل صفحة بما فيها الغلاف كتب عليها بالكامل، والأرفف تمتلئ بالكتب من جانب إلى آخر، من شرق المكتبة إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ومن أعلاها إلى أسفلها، تخيل الآن تطلب من شخص أن يكتب محتويات جميع الكتب التي بالدخل على جدران المكتبة، بحيث لا يترك كلمة واحدة من غير أن تدون على جدران المكتبة، هل يعقل أن جدران المكتبة ستتسع لجميع الكتب؟
قام الفيزيائي خوان مادلسينا (Juan Maldacena) باستخراج إثبات رياضي يبين أن الأبعاد الثلاثة + البعد الزمني يمكن تمثيلهما باستخدام بعدين + الزمن، أي جميع المحتويات الثلاثية الأبعاد بداخل كرة يمكن تمثيلها على سطح هذه الكرة الثنائية الأبعاد المحيطة بها، بشرط أن لا يكون هناك جاذبية في البعدين، وقام بعدها بتوسعة هذه الإثبات لتشتمل على الثقوب السوداء العالم الرياضي الفذ إدوارد ويتون، فانبته لها ليونارد ساسكيند، ليلاحظ فكرة الهولوغرام من خلالها.
تخيل الكرة الأرضية بما فيها من محتويات، كل نقطة فيها يعبر عنها بكلمة فوكسل (Voxel)، كل هذه المحتويات يمكن تمثيلها بكرة محيطة بالكرة الأرضية، على سطحها نقاط بيكسل (كما يطلق على النقاط على سطح شاشة الكمبيوتر)، كل بيكسل بمساحة ثابت بلانك، هذه النقاط ليست نقاطا ثابتة، بل هي متحركة، تتراقص مع حركة الأجسام الثلاثية الأبعاد على الأرض وبداخل الأرض، الآن كبر الصور لتشتمل على المجموعة الشمسية، ضع كرة محيطة بها، كل الأشياء التي بداخل الكرة في المجموعة الشمسية يمكن تمثيلها على سطح الكرة المحيطة بها، وهكذا إلى أن تشتمل المجرة، ثم على الكون المنظور، وإلى أبعد من ذلك.
هذا هو المبدأ الهولوغرافي، كل طبقة محيطة تحتوي على ما بداخلها، يمكن تمثيلها رياضيا، ولكن أين هذه الطبقة؟ إذا ما بحثنا عنها حول الأرض لن نجدها لأنها موجودة في الطبقة التي بعدها، وإن بحثنا عنها في التي بعدها لم نجدها لتكون في الطبقة التي تليها، وهكذا إلى ما هو أبعد وأبعد. رغم أن هذا المبدأ قائم على الرياضات، إلا أن رياضياته مقبولة فيزيائيا ويعمل بها بشكل رسمي. “لا توجد فكرة أقل بديهية من هذه”، هكذا يصف ليونارد المبدأ الهولوغرافي.
غالبية المحتوى يعتمد على كتاب ليونارد ساسكيند: حرب الثقب الأسود The Black Hole War[1]https://www.amazon.com/Black-Hole-War-Stephen-Mechanics-ebook/dp/B001AD8I9G/ref=sr_1_1?dchild=1&keywords=black+hole+wars&qid=1600759489&sr=8-1
[2]مقابلة مع د. أحمد المهيري
السلام عليكم
شكراً يا دكتور محمد على هذا العرض الأكثر من رائع عن الثقوب السوداء و شكراً على المقابلة الأروع مع الدكتور أحمد المهيري والله يوفقكه في بحثه و الله يفتح قلبه و عقله على طلب العلم في الحقيقة كنت أعتقد أن لدي خيال واسع و لكن بعدما سمعت البردوكاست أيقنت أن فوق كل ذي علم عليم
مع أطيب التحيات
أخوك المهندس بندر بن محمد
شكرا لكم
http://www.ju.edu.jo